عندما زار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، ركز خلال لقائه رؤساء الكتل النيابية والاحزاب على أهمية التعاون على إنقاذ لبنان وفق المبادرة الفرنسية، وحينذاك كانت المبادرة الفرنسية بنسختها الأصلية تنص على تأليف حكومة مهمة تعمل على تنفيذ إصلاحات يضعها المجتمع الدولي شرطاً لحصول لبنان على دعم يُخرجه من دوّامة الانهيار الاقتصادي، خاصة وأن اموال سيدر ربطت ايضا بتعهد لبنان اجراء الاصلاحات في عدد من القطاعات، وصولا الى الحاجة الى عقد سياسي جديد وتغيير النظام في لبنان.
كل ذلك لم يحصل. فعوامل داخلية وخارجية لجمت المبادرة وقيّدتها ، فعطفا عن أن باريس في الأشهر الماضية لم تلق دعما جديا وحقيقيا لمبادرتها من الدول المؤثرة الأساسية في لبنان، فإن القوى السياسية المعنية في لبنان ، وبعدما تظهر لها ان الدور الفرنسي يكاد يكون وحيدا وضعيفا ويخلو من اي مساندة أميركية وسعودية، دأبت على التعاطي مع دعوات باريس وتهديداتها بلا مبالاة وصولا إلى انها افرغت المبادرة من مضمونها وبقي الرئيس سعد الحريري مكلفا تسعة أشهر إلى أن اعتذر الشهر الفائت، بعد مراوحة سياسية ولعبة مناورات داخلية زادت الطين بلة على المستويات الاقتصادية والمالية والمعيشية.
بعد تكليف الرئيس ميقاتي المدعوم من الخارج لا سيما من فرنسا التي ينشغل مسؤولها بالتواصل مع المعنيين لتسهيل تشكيل الحكومة العتيدة، طرأت مستجدات كثيرة في الأيام القليلة أصبحت تحكمها حسابات جديدة افرزتها وقائع معادلات داخلية وخارجية، فتبدلت الاولويات الخارجية تجاه لبنان، علما ان فرنسا اليوم ترغب في إظهار نفسها على أنها أكثر تشددا من السابق وأنها سوف تتعاطى بصرامة مع المعرقلين وقد تلجأ إلى مقايضة ملف تمديد مهمة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان اليونيفيل بالحكومة، من زاوية أنها ربما تعيد تكرار موقفها نفسه الذي سجلته العام الماضي في مجلس الأمن لجهة عدم إجراء أي تعديل أو تغيير في مهمة اليونيفيل إذا تشكلت الحكومة. أما في حال استمر الوضع على ما هو عليه فللبحث صلة خاصة وأن نهاية آب ليست بعيدة وأحدات الجنوب في الأيام الماضية يمكن أن تسثمر ضغوطا إسرائيلية على الاميركيين للتشدد.
حتى الساعة لم يتدخل المجتمع الدولي بشكل حاسم وجذري لحل الأزمة الراهنة، وثمة من يعتبر أن أركان هذا المجتمع تختلف مقارباته تجاه الحلول للواقع اللبناني، فهناك من يسعى إلى توظيف الانهيار لخلق توازنات جديدة، في حين أن دولا أخرى تحذر من خطر الفوضى في هذا البلد.
وأمام ذلك، فإن التركيز الغربي والأوروبي اليوم على أهمية تأليف حكومة من اختصاصيين قادرة على إجراء الإصلاحات اللازمة وتوفر مقومات صمود الشعب على المستويين المعيشي والحياتي وتحضر لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها العام المقبل، من منطلق ان الحسابات الانتخابية تتحكم بالاهتمام الدولي بالوضع اللبناني، فبحسب سفير الاتحاد الاوروبي رالف طراف فان لبنان يحتاج إلى تحول حقيقي في ادارة الحكم، كما ان النظام السياسي بحاجة ماسّة إلى شرعية جديدة.
وبينما يطالب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأن تبدأ الحكومة -المزمع تشكيلها- في “التحضير للانتخابات البرلمانية عام 2022 والتي يجب إجراؤها في موعدها وبشكل حر ونزيه”، فإن مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد شنكر يقرأ الواقع في لبنان بدقة ويقول إن الانتخابات ليست هي الحلّ لوحدها، لان “تغيير عشرة مقاعد لن يُغيّر الأكثرية النيابية” في البرلمان اللبناني. ولذلك فإن الاهتمام الغربي الاميركي منصب على إجراء الانتخابات في موعدها بمراقبة دولية وبجو من الاستقرار السياسي والاقتصادي الى حد ما، مرده أن هذه الانتخابات يجب أن تخلق معادلة جديدة اشبه بما حصل في العام 2005 وتنتج طبقة سياسية نيابية مختلفة وموازين جديدة تحاكي سياستها في لبنان والمنطقة، وهذا الأمر يشكل، وفق أوساط سياسية، محط تلاق بين الإدارة الأميركية والمملكة السعودية وفرنسا لكونه يشكل فرصة للتغيير، بيد أن اوساطا سياسية معنية ترى أن التعويل على الإنتخابات لإحداث تغيير في المعادلات الراهنة ليس منطقيا، فاستحقاق آيار المقبل، من شأنه أن يأتي بوجود جديدة محدودة جدا من الشارع المسيحي، في حين أن الخروقات قد تكون معدومة في الشوارع الأخرى، وغدا لناظره قريب.
ألمصدر : لبنان24 – هتاف دهام