جميل ما تفوّه به بالأمس مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، بل يكاد يكون متقدّماً. أعلن بوضوح، أن لبنان واقعٌ تحت الحصار. قال: نحنُ مُحاصرون، وليس في شِعبٍ واحد، بل في شِعاب. مُحاصرون في شعبةِ المحروقات و مُحاصرون في شعبةِ الدواء و مُحاصرون في شعبةِ الغذاء، و مُحاصرون في شعبةِ الوباء، و مُحاصرون في شِعابٍ لا تكاد تُحصى، وأولها وأهمها أنه ممنوعٌ علينا أن تكون عِندنا حُكومةٌ يمكن أن تُدير شؤوننا، فهل كان يقصد الحصار الذي ما برح مسؤولو “حزب الله ” يكرّرونه؟ أي الحصار ذاته الذي تصدح به غرف مراجع كثيرة؟
حكومياً، “نصف خطوة تقدّم” تمّ تثبيتها في آخر لقاء عُقد بين رئيس الجمهورية ميشال عون والحكومة المكلّف نجيب ميقاتي في قصر بعبدا نهاية الأسبوع الماضي، والتعويل على تأمين النصف الباقي من الخطوة هذا الأسبوع، ليُصار إلى إعلان ولادة حكومية قبل منتصف الشهر الجاري.
عملياً، يضع الرئيس نجيب ميقاتي نصب عينيه موعد 20 آب المقبل، ليقرّر على إثره مستقبله في التكليف. في آخر لقاء جمعه ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري في دارة الأخير ببيت الوسط، جرى التأكيد على جملة ثوابت أساسية، من بينها “تثبيت ما جاء في اتفاق بين رؤساء الحكومات السابقين، أُبرم حين قبل بتسمية ميقاتي”، و بقاء الإعتذار خياراً للمواجهة. بهذا المعنى، وقبيل موعد الـ”dead line” الحكومي، يكون ميقاتي يُرسّم خطوطه منذ الآن: الحكومة خلال الشهر الجاري، عملاً بقاعدة “لا مهل مفتوحة”.
على أي حال، ما خرج عن لقاء بعبدا، أوحى بجملة إيجابيات بدأت تتراكم على ضفة التأليف. مع ذلك، يحبّذ البعض تطيير تلك الأجواء متحدثاً عن “تضخيم للإيجابيات”، بمعنى أن ما سجّلته المصادر بُعيد آخر لقاء عقد في بعبدا، لا يوحي بأن الأمور على خير ما يرام أو أننا ذاهبون باتجاه “إعلان مراسم” عند نهاية هذا الأسبوع، وأكثر الممكن، هو تذليل بعض العقبات، التي لا تكفي لإنتاج حكومة “مهمة وإصلاحات وتعافي”.
في الحقيقة، ما جرى خلال الأسبوع الماضي، كان كناية عن جولة اتصالات “متعددة الأوجه والجهات”، أرخت عن تعويم إيجابية، مصدرها “الثنائي الشيعي” الذي أبدى ليونةً حيال ما يُطرح من مواقف، لكن ليس من ضمنها التخلّي عن حقيبة المالية. ثمة أكثر من سبب يحول دون “ترك” حقيبة “وجع الرأس”. عداك عن مسألة “التوقيع الثالث” الذي يتمسّك به الرئيس نبيه برّي تحديداً، كـ”قوة شد” بوجه العهد، ثمة عقدة إضافية، متخفّية في مسألة “تدوير” الحقائب السيادية. ف”الثنائي”، وعملاً بموقع “حزب الله”، ضمن الحالة السياسية وتركيبة الثنائي “الطابشة” له، لا يجد طريقه سالكاً نحو العبور إلى حقيبة “اليرزة” بفعل الأهمية الأميركية المنصبّة عليها، وهناك مانع حول “الداخلية” لكونها مطلباً سُنيّاً ثابتاً، ولو أن ثمة من طرح إجراء مبادلة بين الداخلية و المالية تضع السُنّة مجدداً في عالم الأرقام، وثمة استحالة في الوضع الراهن لإعطاء “جواز عبور” لشخصية شيعية في الخارجية، تُعيد استنساخ خطاب “حزب الله”. بهذا المعنى وبحكم “موانع السيادية”، لا مناص من بقاء المالية لدى الشيعة.
في الواقع، أقرّ الرئيس عون بهذه “المعضلة”. بات يُدرك، أن “قذف” الشيعة إلى حقيبة سيادية غير المالية، قد يُجهز على الحكومة كلياً يفعل الفيتوهات الدولية ذات الصلة بالحزب ، لذا فإن أفضل الممكن حالياً ، هو اعتماد “التوزيعة السيادية” للحكومة المستقيلة ونقل “فوهة” المداورة إلى الحقائب الاخرى. مع ذلك، فإن ثمة من يرى مشكلةً في طبيعة الخلاف الذي قد ينبت على موضوع “المداورة” في عدة حقائب، أضحت، وبعد الرابع من آب وفي ظلّ حالة الإنهيار، مطلباً دولياً. لذا ثمة من يطرح “تقصير” طريق الإشتباكات والإكتفاء بإعادة العمل بـ”توزيعة حسان دياب”.
ما يحول دون ذلك، عدم رغبة “الرباعي السنّي” في استنساخ “الحكومة المستقيلة”، وعليه، فإن التوجه الحالي قد ينحو صوب إجراء تعديلات طفيفة على توزيعة بعض الحقائب، حتى لا تكون الحكومة العتيدة نسخة “متحوّرة” من حكومة يرى بها البعض “منتهية الصلاحية”، والأمر متروك لعودة ميقاتي إلى بعبدا، رغم أن المؤشرات كلها تقول بتفضيل الرجل الإبتعاد عن “حقل التدوير”.
ثمة أمرٌ آخر. فصحيح أن ما سُرّب عن بعبداً بدايةً، أجاز القول أن رئيس الجمهورية قد قبل أن يشغل “سُنيّ” ولمرة واحدة فقط، “موقعة الصنائع”، لكن الصحيح أيضاً أن ذلك “التنازل” بقي مشروطاً بخيار “التفاهم” حول الإسم بين الرئيسين عون وميقاتي، في عودة إلى ما سبق وأن طرحه “ليبانون ديبايت” بدايةً، حول أفضلية وجود سُنّي ببزة مرقطة. السؤال هنا، وفي حال “قبل” ميقاتي” التخريجة، كيف سيُصار إلى إقناع الرئيس الحريري بها، وهو الموعود بأن تُعهد “الداخلية” إلى شخصية قريبة منه لكي تشكّل “شوكة” في خاصرة العهد؟
رغم ذلك كله، لا يزال أساس الإشتباك حيال موضوع الحكومة وجوهره، متخفّياً وبعيداً عن الأنظاروينتظر لحظته. في الحقيقة، قد يكون الخلاف حول التوزيعة والحقائب والتمثيل المذهبي “بروفا” ، أمام الإشتباك المقبل المتضمّن بحثاً في توجيهات الحكومة المقبلة، خاصة لجهة “طروحاتها” الإقتصادية التي لم يجرِ بحثها لغايته، سيّما مع انكشاف معلومات، خاصة لدى “الثنائي الشيعي” وبالتحديد “حزب الله”، حيال توجّهات “مُنصاعة بالكامل” لصندوق النقد الدولي، وليس أقلّها “تحرير” صرف الدولار في السوق ورفع الضرائب واستقدام قروض بفوائد مرتفعة، ما يعني إجهازاً كاملاً على فئات كثيرة من الشعب.
المصدر : “ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح