ثلاث كمائن نجا منها “حزب الله” خلال أسبوع واحد: كمين خلدة، كمين المرفأ وكمين الجنوب. هنا، يجب الإرتقاء بـ”الصبر والبصيرة” إلى أعلى هرم التمجيد!
يُفترض بهذه الحالة، أن تحمل “الكمائن المنتشرة” صفة المرحلة المقبلة. وفي ظل الدخول السعودي إلى عمق الأزمة اللبنانية ودعوته المباشرة للقوى لمواجهة الحزب، لا تغدو الكمائن تفصيلاً ابدًا. من عليائه يحاول السعودي تجهيز المسرح اللبناني لملاقاة التغيير الذي تنشده الرياض، وقد أتمّ التحضيرات لإنجاز عمليات فرز للقوى السياسية: من معنا ومن ضدنا.
فعلٌ “إنتهازي” من هذا القبيل، يُحضّر البلاد لبلوغ مسار “صاخب” من الأزمة، ويحمل المدقّقين على الإعتقاد بسقوط الرهان على عامل الضغوطات الإقتصادية. بنتيجته، دعوة المواجهة ترتّب على السعودي “الدفع”. الموضوع لا يقتصر على “الدفع” في السياسة أو في التصريحات أو دفع قوى تبحث عن موقع، إنما “الدفع” مطلوب من الجيبة.
بالعودة إلى الأساس. في الوضعية الأولى، أي كمين خلدة، وكما بات معلوماً، أُريد جرّ “حزب الله” إلى نزاع أهلي داخلي. ولا يُخفى أن السيد حسن نصرالله، تطرق إلى هذه الوضعية بإسهاب خلال اللقاء مع المبشّرين وخدام المنبر الحسيني قبل أيام.
ويندرج ضمن المسار ذاته. نفذته “القوات اللبنانية” عبر عناصر ظهر أنها مأمورة لارتكاب أعمال “شغب” خلال إحياء ذكرى 4 آب. هنا، لم يقتصر الأمر على “سرقة” القوات للذكرى ومحاولة إسقاط مفاهيمها “الملتوية” عليها أو تحويلها إلى حادثة مسيحية صرف وكوسيلة لشد العصب، بل تمادت حتى بلغت إعادة إنتاج مفاهيم الحرب، من إقامة حواجز وإستقدام سلاح وعمليات خطف وتعذيب وترهيب لمواطنين وإغلاق مناطق.
رغم “وقاحة” ذلك، هرعت “مصادر القوات” إلى إخفاء ارتكابات عناصرها و إسقاط الأفعال المشينة على غيرها. ظهرت عبر الإعلام كـ”الحمل الوديع” لتتهم مجموعات “تأتمر من الحزب” بمحاولة اقتحام مكاتبها أو مناطقها، لإعطاء صبغة تحريضية والقول ببساطة أن “الشيعة يقتحمون المناطق المسيحية” لتضاف إلى سردية “الحزب فجّر المرفأ وهجر المسيحيين!”، أما الغاية فإستدراج ردّ فعل غاضب و “قمع” المعترضين مسيحياً إن وجدوا. ترافق ذلك مع تعمّد تظهير اشرطة فيديو تتسم بلفحة تقسيمية أُريد من ورائها إثارة النعرات و “زلق” فئة نحو ردّ فعل، سيما بعد تعمد التعرض إلى مرجعيات دينية وطوائف وأحزاب. هنا مكمن الكمين الذي نجا منه “حزب الله”.
ببساطة، قرأ الحزب مسار الأمور باكراً عطفاً على ما كان يجري تسويقه. عشية إحياء الذكرى، عمّم على المناصرين نصيحةً بعدم المشاركة في إحتفالية الرابع من آب أو أي نشاط موازٍ لها، خشيةً من “أمر ما يجري تحضيره ومنعاً للإستفزاز”. كذلك، أبلغ عناصره “بلغة الحزم” البقاء في مناطقهم وعدم الخروج منها إلا للضرورة وبإذن.
أخيراً، الكمين الثالث جاء من الجنوب عبر إطلاق صواريخ “لقيطة” والذي نجا منه الحزب عبر صمت المقاومة وعدم قبولها الإستدراج، وللبحث صلة.
عملياً، يجب الإنطلاق من حديث وزير الخارجية السعودي الذي اعتبر أن مشكلة لبنان تكمن في ما أسماها “سيطرة حزب الله”، وفي وقتٍ لاحق جاءت من الخارجية السعودية دعوة إلى الأطراف اللبنانيين لمواجهة الحزب. دعوة السعودية لا يمكن إدراجها في خانة التدخل في الشؤون اللبنانية فحسب، إنما محاولة تقليب فئة على أخرى وجرّ لبنان إلى أتون “نزاع أهلي” إن لم يكن أكثر. هذا كله يحمل إشارات التحريض الذي يستدعي موقفاً أقله من المكونات اللبنانية ما دام أن الدولة منصاعة بالكامل إلى “السعار السعودي”.
أمرٌ آخر، “تحريض السعودية” وإعلانها خروج تدخلها من وضعية الإدارة خلف الستارة إلى الدعوة العلنية للتمرد، لا يمكن وصفه إلا إقراراً من جانبها بعدم نجاعة أو قدرة من وظّفتهم في الداخل على تحقيق هدف “الحدّ من سيطرة حزب الله ومواجهته”. “القوات” تُعدّ ركناً في المنظومة. يصبح من الصعوبة في محال عزلها عن محاولة ترجمة “التوجيهات السعودية” على الارض.
بالعودة إلى المرفأ، ثبت أن معراب أرادت تحويل ذكرى الإنفجار إلى منصة لإحياء احتفالية مسيحية صرف وبعث الإنتخابات وإطلاق الحملة الإنتخابية على جثث الشهداء وخلق عدو وهمي للمسيحيين اسمه “حزب الله”، وعلى ظهر إعادة إحياء منطق تقسيمي و إلغائي وإبراز حضور “الشرقية” على ما عداها، إلى جانب محاولة حصر التحركات ضمن بقعة محددة واعطائها صبغة معينة.
لقد ثبت الحضور المسيحي الغالب في تحركات أمس، لكن ذلك لم يرتقِ إلى مستوى حضور “وطني واسع”، وظهر أن الحملة التي خيضت بكثافة إعلامياً وترويجياً قبيل الإحتفال لتشجيع الناس على الحشد والمشاركة وجعل هذا النهار يوماً لولادة النسخة المتحورة من 17 تشرين، لم يؤت غرضه بدليل نسبة الحضور التي لم تكن بقياس التحضيرات أو التوقعات، والذي ما دام حتى إنفض حين الفراغ من القدّاس.
لكن لم يسلم الأمر بعد. ما يُرتب حالياً يفوق بخطورته كل ما أريد تطبيقه في الكمائن. يظهر أننا ماضون في مسار “مرتفع نسبياً” ويتطور. يلاحظ تكرار لمشهدية 2005 من خلال العودة إلى إنتاج “شهود الزور”. إحدى الشاشات حملت الإشارات الاولى. بصرف النظر عن المحتوى “الركيك” في الطبعة والإخراج السيء للإتهام، لا يجدر تجاهله إطلاقاً، لكونه موجه ليس إلى شريحة “محصنة” من الحملات كبيئة المقاومة، إنما البيئات الاخرى الواقعة ضمن مجال الإستهداف. تلك البيئات لا حصانة لها لتقبل أي بثّ خبيث، وفي ظل جراحها وارتفاع نسبة البروباغندا، تصبح مهيأة لتلقي أكثر، والدور الآن يترتب على المحقق العدلي ثم الأجهزة الأمنية لوضع النقاط على الحروف.
مشهدية أخرى لا بد من الإضاءة عليها: مظاهر البذخ والترف الاي طبعت فعاليات إحياء الإحتفال، من المنصة إلى الديكورات. ليس مبالغاً فيه إن أشرنا إلى مئات آلاف الدولارات التي صرفت وغير معلومة المصدر بعد. كان يجدر في الأساس، صرفها إلى ذوي الشهداء والجرحى وأصحاب المنازل المدمرة بدل التنظير بحقوق هؤلاء وحق من نجا منهم بالحياة.