الابتسامة التي “تقصّد” الرئيس المكلف نجيب ميقاتي رسمها على محيّاه، الخميس، عقب لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، اختفت بعد اجتماعهما السادس عصر أمس الجمعة. كان الامر متوقعاً. فالإيجابية التي تعمّد ضخّها مزيّفة وأتت لزوم مؤتمر الدعم الذي عُقد الأربعاء الماضي في ذكرى 4 آب، وكان هدفُها حفظ ماء وجه “الطبقة الحاكمة” أمام المجتمع الدولي الذي خصص للشعب اللبناني الملايين لمساعدته في محنته، لتُظهر حداً أدنى من المسؤولية أمام العواصم الكبرى. أي أن كلام ميقاتي، أتى “لأنو راح بالحيا”، كما يقال في العاميّة.
على أي حال، الحقيقة لم تتأخر لتظهر. اذ تكشف مصادر سياسية مطلعة على اتصالات التأليف لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني عن أن الأمور حكومياً تراوح مكانها وأن أي تقدم لم يتحقق عملياً بعد. فكما بعيد اجتماع الاثنين الماضي، تعابيرُ وجه ميقاتي “تكلّمت” الجمعة حتى قبل أن يتكلّم، مشيرة بوضوح الى إخفاق المحادثات الثنائية وعقمها ودورانها في حلقة مفرغة. الرجل الذي صعّد نبرته مطلع الاسبوع قائلاً إن مهلة التأليف غير مفتوحة “ويلي بدو يفهم يفهم”، عاد و”لطّفها” الخميس معوّلاً على مرونة لا بد أن يبديها عون عقب مؤتمر الدعم وتحت وطأة المشاركة الشعبية الحاشدة في 4 آب، ومراهناً أيضاً (أي ميقاتي) على دعم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون له، وقد حرص الأخير على أن يحضر الرئيسُ المكلف المؤتمر ولو بصفة مراقب. إلا أن حسابات ميقاتي هذه، كلّها خابت.
حتى اجتماع الخميس، تتابع المصادر، كان البحث الحكومي الجدي بين عون و”ضيفه” لم يبدأ بعد، وقد تفاديا الغوص في الوزارات الدسمة، مكتفيين بالعموميات وبالخطوط العريضة، إذ بات معلوماً أن الرئيس عون مصرّ على المداورة. انطلاقاً من هنا، ومع أنه يفضّل إبقاء التوزيع على حاله، حمل ميقاتي إلى القصر، أمس الجمعة، أكثر من اقتراح، منها إسناد “الداخلية” إلى سني حيادي أو إلى مسيحي حيادي يتم اختياره بالتفاهم بين بعبدا والرئيس المكلّف. لكن بحسب المصادر، الرئيس عون تشدّد ولم يُبد حماسة لأي طرح، مصرّاً على ضم “الداخلية” إلى حصته بـ”وضوح”. وهذا التشدد الذي اصطدم به ميقاتي أمس، والذي سبق أن لمسه في اجتماعاته مع عون، هو ما ثبّط عزيمة الرئيس المكلف من جديد، معيداً إياه الجمعة، إلى أرض الواقع، وقاضياً نهائياً على “أحلامه” بتنازلٍ رئاسي ستفرضه مجريات 4 آب، المحلية منها والدولية.
أمام هذه المعطيات، انتقل البحث إلى جوانب أخرى من التأليف علّها تكون أقلّ “حماوة”. فكان أن طالب عون بالعدل والشؤون الاجتماعية والاقتصاد. وهنا، فتح باب خلاف جديد، إذ ان مطالبة رئيس الجمهورية بوزارات خدماتية لم تكن من حصّته في تركيبة ميقاتي الأولى، سيعيد خلط أوراق توزيع الحقائب، ويردّ العملية إلى المربع الأول.
الشروط الرئاسية هذه، يُراد منها على الأرجح، رمي العصي في الدواليب وتيئيس ميقاتي. وتشير المصادر إلى أن الأخير بات شبه مقتنع، بأن عون أوّلاً، لا يريده في السراي ويعتبره امتداداً لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري، كما أنه لا يريد المداورة الشاملة، بقدر ما يستخدمها للحصول على “الداخلية”. فبالنسبة إليه (أي رئيس الجمهورية)، هو لا ينظر إلى الحكومة كمدخل إلى انقاذ لبنان، بل كخشبة خلاص لوريثه رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، كونها ستشرف على الانتخابات النيابية، كما أنها قد تملأ الفراغ وتدير البلاد في حال شغور المنصب الرئاسي. وعليه، فإن “سيد بعبدا” لن يرتاح إلا اذا كانت “الداخلية” تحت “عينيه” لتحريك الاستحقاق الانتخابي ونتائجه كما يريد. وللغاية ذاتها، فإنه، وإذا ذُللت عقبة “الداخلية”، سيُشهر في وجه ميقاتي سيف “الثلث المعطل”.
وإذ تلفت إلى أن العهد بدأ يلمّح، عبر أوساطه، للرئيس المكلف، بأن تسمية الوزراء المسيحيين يجب أن تمرّ بعون، معترضاً أيضاً على أسماء قيد التداول لعدد من الحقائب (مع أنها ليست من حصته) وأبرزها “المالية” (فيما رئيس البرلمان نبيه بري يصرّ على الاسم الذي اختاره لتولّيها)، تعتبر المصادر أن هذه العوامل كلّها ستدفع ميقاتي إلى الاستسلام عاجلاً أم آجلاً، خصوصاً اذا بقي حزب الله في وضعية “المتفرّج”. الرئيسُ المكلف “سيجرّب حظه” من جديد الاسبوع المقبل، وسيزور بعبدا وفي جعبته مخارج جديدة سينسّقها مع رؤساء الحكومات السابقين وبري في الويك أند، لا سيما معضلة المداورة التي بات شبه مؤكد أنها لن تشمل كل الحقائب السيادية. لكن إذا بقي “التعنّت” على حاله، فإن ميقاتي لن يتأخر في رمي قنبلة الاعتذار في وجه العهد، والبلاد المنهارة والمنازعة.
المصدر موقع القوات