لا تبدو أحوال تيّار “المستقبل” جيدة. ثمة جائحةٌ تعصف به منذ مدّة، عنوانها التفرّد في الإدلاء بالتصريحات والمواقف على ألسنة النوّاب، من دون العودة إلى القيادة أو إلى القواعد المرجعية المتّبعة في إنشاء الحديث.
كان البعض يلمّح خلال الفترة الماضية، أن”المستقبل” يتمتّع بهامش “عريض” من الحرية، أتاحت لكل فرّد منه أن “يخيّط” الخطاب أو التصريح الذي يلائم توجهاته ويطلقه عبر الإعلام بمعزل عن موقف الإطار التنظيمي، لكن ذلك كان مدعاةً للشك، إذ غالباً ما كانت تصدر تصريحات لا تتطابق والمعايير والشروط السياسية التي يتّبعها “التيّار” .
أبرز مثال عن ذلك كانت “حالة” نائب رئيس تيار “المستقبل” مصطفى علّوش، البعيدة كل البعد عن العناوين “السياسية” التي يلتزم بها “التيار” نفسه. فخلال مرحلة تعاظم “ربط النزاع” بين “المستقبل” و”حزب الله” إلى حدود أن صار عنواناً للإلتقاء والتعاون والدعم في مجالات الحكومة والتأليف وغيرها، كان علوش يحجز لنفسه مكاناً آخراً بعيداً كل البعد عن السائد. فما برح لغة “النقد والذم والإتهام” بحقّ الحزب الذي كان يتعالى عن ذلك عملاً بضرورات العلاقة مع الرئيس سعد الحريري و علمه ببواطن السياسة المخفية عن العلن.
آخرون، كانوا يقولون أن رئيس تيّار “المستقبل” سعد الحريري، قد زكّى سابقاً نماذج متعددة لتمرير تصريحات متباينة أو متباعدة عن توجهات القيادة المركزية، عملاً بمقتضيات تلك القيادة وضرورتها، وكان الظنّ يميل إلى عملية “توزيع أدوار” نتجت عن آخر تعيينات لمسؤولين قياديين في “التيار”، امتازوا عادةً في تظهير الإختلاف السياسي الموضعي عن القيادة.
خلال “كمين خلدة” أظهر “المستقبل” أنه بعيد كل البعد عما حدث، إنما ضد استخدام السلاح من أي جهة أتى. من خلال بيانه، حاذر “التيار” الخوض في مسائل على صلة بـ”نكء” جراح الفتنة السنية – الشيعية التي أطلّت برأسها. وإلى حدٍ ما، تقاطع موقفه مع مواقف كل من “أحزاب المنطقة” من حركة “أمل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” و”الحزب الديموقراطي اللبناني”، ولم يحيد عن منطق الدعوة إلى التهدئة وإحالة القضية إلى سلطة الجيش. وحدها النائبة رلى الطبش غرّدت على عكس ما صرّح تيارها، ليمتد ذلك إلى جوقة زرقاء معروفة الخلفيات، عادت إلى نهج “النفخ” في بوق الفتنة ورمي الإتهامات من دون معطى أو دليل، ما يُعاكس مقتضى البيان الأزرق جوهرياً.
الطبش، وخلال ظهورها الإعلامي على شاشة الزميلة “الجديد”، آثرت الرد على مضمون ما جاء في تصريحات عضو “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله، من خلال التلميح إلى إقدام “سيارات إسعاف على نقل أسلحة وأعتدة حربية إلى خلدة لصالح حزب الله”. التصريح الذي وعلى الأرجح قصدت به “تحركات” سيارات الهيئة الصحية الإسلامية التي عملت على نقل الجرحى والمصابين، لم يظهر أي أثر له عبر صفحة “النائبة” التي كانت تُغطي تصريحاتها.
مثل تصريح النائبة الطبش، ليس ضرباً لـ”نهج التهدئة” الذي اعتمده “المستقبل”، وخروجاً عن التنسيق الثلاثي بينه وبين “أمل” و”التقدمي” حيال الحادثة، إنما عرّض الطواقم الإسعافية والطبية التي تعمل في حالات مماثلة للخطر وربما الإستهداف. هنا، وبعد هذا الكلام والإتهام الذي لم يُعطف بدليل، هل يمكن تأمين الحماية لتلك الطواقم خلال عملها في بقعة ساخنة ما؟
كلام الطبش الذي يتردّد أنه لم يرق إلى الرئيس الحريري، لا يُمكن إدراجه إلاّ في واقعتين: تبنّي بعض نواب “المستقبل” لـ”البروباغندا الدعائية” التي تتهم “حزب الله” بالمسؤولية عن كل شاردة وواردة تعصف بالبلد، وتشويه اسمه، و “خروج” بعض النواب عن “اللياقات” ليس فقط السياسية إنما عن طوع قادتهم، إلى حدٍ يُظهر دوماً قيادة “المستقبل”، وكأن لا سلطة لها على مجموعة نواب أتت بهم. لكن تبقى اللعنة الأكبر في “صنف” النواب الذين جاء بهم الرئيس الحريري إلى المجلس ليحملوا اسم كتلته واستطراداً ليمثّلوا طائفة/مكوّن، والذين أثبتت الأحداث أنهم لا يفقهون سوى لغة الشتم والإدعاء وركوب الأمواج.
تلك الحالة، وما يتخلّلها من تراجع قيمة كتلة “المستقبل” تشريعياً، بشهادة الإقتراح الذي أعدته حول موضوع “رفع الحصانات” والذي أظهر عدم “تمكّن” المعدّين من أبسط القواعد القانونية أو فقهم بالدستور، كان قد حذر منه سابقاً أكثر من مسؤول أزرق ونائب سابق “حريري الهوى”، ومنهم النائب الخارج عن مفاهيم “المستقبل”، نهاد المشنوق، من عاقبة المجيء بنواب على غير هدى سياسي أو دراية سياسية أو فقه سياسي، وما قد يتسببون به من ضرر ليس على الكتلة إنما إلى طبيعة تمثيل النواب السنّة في البرلمان وحضورهم.
لكن، وفي ظل كلام الطبش الذي اشتمل عملياً على كل الكوادر الطبية والإسعافية ولم يفرّق بينهم، كان الإتهام مدعاةً للملاحقة، إذ ما يتواتر يُظهر انكباب محامين و جمعيات تُعنى بالشأن الإنساني، على رفع إخبار إلى القضاء على نية “التدقيق” بكلام الطبش. فإذا ما صحّ كلامها، على الجهات المعنية استدعاء المسؤولين عن “نقل الأسلحة” في آليات موضوعة في خدمة الأعمال الإنسانية، وإن بان زيف ذلك، فعلى القضاء إسقاط المحاسبة على النائبة لما ألحقته من أذى معنوي. لكن قبل ذلك، على تيار “المستقبل” أن يأخذ المبادرة، ويضح حداً لـ”طيش” بعض نوابه.
المصدر : “ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح