بعيداً عن مظاهر الحياة الطبيعية وبعض الترف الذي نراه من هنا وهناك، إلّا أنّ المحن الكبيرة التي يعيشها اللبناني جراء الحرب العنيفة لا تعد ولا تحصى وتسوء يومياً.
بالمختصر المفيد، يمكن وصف نتيجة الانهيار حتّى الآن كالتالي: لا نفط لا مازوت لا كهرباء لا مستشفيات لا أدوية لا طبابة لا بنية تحتية لا ضمان لا غذاء… أيّ لا وجود لأبسط مقوّمات الحياة حيث يحتاج المرء للمال للحصول عليها في حين ان لا مال ولا عملة صعبة.
وفي الأشهر المقبلة، سيتحوّل الوضع إلى: لا انترنت لا ماء. الانترنت الذي يدير الدول والشعوب وتختفي الدول من الرادار العالمي من دونه في وقت أنّ الماء، أكان للشرب أو الغسيل، هو سبب وجود الانسان الأساسي ومن دونه تنتفي الحاجة إلى البقاء في المكان ويصبح واجباً تركه لأنه أهم من المحروقات وغيرها من المواد.
تفاصيل عذاب الناس
اما في تفاصيل حياة الناس التي انقلبت رأساً على عقب فنجد بعض الأمثلة منها:
ابراهيم (32 عام) الذي أتى من الإمارات ولا يُصدّق كيف تدهورت الأمور والى أين وصلت يقول: “لا يمكن العيش هنا بعد الآن فأستغرب كيف يعيش اللبناني في هكذا أوضاع. ويشرح كيف أنه يجلس في سيارته ويقودها في شوارع بيروت فقط من أجل استخدام مُكيّفها عندما تنقطع الكهرباء في البيت لساعات لأنه لا يمكنه تحمّل الحرارة الشديدة جداً.
هو عينة عن المغتربين اللبنانيين الذين واكبوا الانهيار عبر الإعلام لكن كانت صدمة كبيرة جداً عندما أتوا وعايشوا الواقع المرير جداً على الأرض في وقت ظنّوا أنهم سيستمتعون بوقتهم بسبب امتلاكهم للدولار.
التفتيش عن الإنارة
أما الناس التي عبّرت عن تجاربها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فكانت الروايات المختلفة تُحاكي الواقع حيث أن عدد كبير من الشباب الذين يتابعون دراستهم في المدرسة او الجامعة يتجهون أسفل المنزل وإذا حالفهم الحظّ وعثروا على إنارة يستقرون، وفق ما ظهر في بعض الصور، أو يذهبون إلى أي مقهى.
ومن لا يمكنه الاستمرار في عمله من المنزل لأن انقطاع الكهرباء يعني انقطاع الانترنت، في وقت ان المطاعم والمقاهي والمنازل يرمون الطعام من البراد بعد فساده بسبب ساعات انقطاع الكهرباء الطويلة التي تصل إلى 9 ساعات وأكثر. أما أصحاب المطاعم الذين لا ضمير لهم وأصبح عددهم كبير، فيقدمون الوجبة للرواد لانهم دفعوا ثمنها فتزداد حالات التسمم، فيما المحظوظ من لا يزال يملك ترف شراء مولد خاص صغير مع تدبير المازوت من السوق السوداء للصمود وقت أطول والاستمرارية.
الكارثة الكبيرة هي بالناس التي لن يمكنها شراء المازوت للتدفئة في فصل الشتاء، فماذا سيفعل هؤلاء من دون بطاقة تمويلية؟ هل يموتون من البرد؟
وفي المستقبل القريب، ستتخلى معظم العائلات عن السيارات لعدم القدرة على تلبية الاسعار فتتجه نحو Scooters التي بدانا نرى عدد قليل منها وسيزداد تباعاً، في وقت سيزداد استخدام الدراجات الهوائية والنارية والكهربائية على رغم عدم وجود الكهرباء فعدد الدراجات النارية زاد أكثر من 5 مرات في الفترة الأخيرة.
وربطاً بموضوع الكهرباء، إن العتمة تحتل كلّ الطرقات اللبنانية، حيث انه من المستحيل القيادة خلال الليل والخطورة التي تشكلها على الحياة التي فقدت قيمتها.
تهديد بالمازوت مقابل الأجارات والكهرباء
الى ذلك، تعتبر فرح مقدم (34) التي تعمل في بيروت، ان “حالتها هي الأسوأ في لبنان”، وتشرح أن “صاحب البناية في الحمرا يُهدّد المستأجرين بدفع ثمن المازوت على سعر السوق السوداء مقابل تأمين الكهرباء أو مغادرة الشقة بعدما كان يؤمن الكهرباء من التاسعة ليلاً حتّى منتصف الليل فقط، ما أدى به الى إطفاء المولد الخاص كلياً والاعتماد على ساعة واحدة كهرباء من الدولة”، مضيفة: “لذلك، أصبحت “مشردة” حيث لا يمكنني البقاء لفترة طويلة في الشقة من دون كهرباء وأتنقّل من مكان لآخر، تارة عند اصدقائي وتارة عند أهلي”
كل الوقت أطلب “ديلفيري” لأنني أرمي معظم الطعام الموجود في الثلاجة، وفق فرح، وبلغت الامور انني لم أعد أستعمل البراد وأرمي معظم الاكل. وتشدد على انها تنتظر الفرصة المتاحة لمغادرة البلد.
من جهتها، أكّدت مسؤولة قسم المحاسبة في احدى الشركات في بيروت، ساره، أن “الموضوع لا يطاق حيث تنقطع الكهرباء لأكثر من 8 ساعات بين النهار والليل ورغم ذلك فإن فاتورة المولد باهظة جداً مع العداد، فضلا عن انقطاع أدوية الامراض المزمنة لأهلي”. ولفتت الى معاناتها كمعظم العائلات اللبنانية في تقسيم السيولة النقدية لدفع كل الفواتير في ظل الارتفاع الجنوني في الاسعار الى جانب مساعدة الاهل.
وأشارت الى أننا نحب هذا البلد ونريد البقاء فيه رغم سوداوية المشهد.
فيما تشهد القطاعات العامة اضرابات مفتوحة وتنهار القطاعات الخاصة، والمؤسسات العسكرية في ظل انهيار العملة ما ادى الى انهيار اوضاع العسكريين المعيشية ومعنوياتهم، إضافة الى فرار مئات العسكريين من الخدمة وهجرة الاف الاطباء والممرضين والممرضات والمهندسين والمهندسات وغيرهم.
ويجب عدم إغفال فقدان عدد كبير من الاغذية من المتاجر والسوبرماركت فضلا عن اسعارها الملتهبة.
الروايات التي ترسم صورة الانهيار والحرب موجودة في كل بيت ومؤسسة وتحمل بذور تجارب قاسية ستعطينا دروس كثيرة في حياتنا، خصوصاً أنها تُحطّم عزيمة شعب بكامله
المصدر: vdlnews – كريم حسامي