لم تظهر حقيقة تفجير مرفأ بيروت بعد مرور عام على ذاك اليوم المشؤوم. في حينه قيل لنا إنّ التحقيق سيتستغرق خمسة أيام، طبعًا لم يكن أحد ليصدق، البعض طالب بتحقيق دولي، والبعض الآخر لم يجرؤ، خوفًا من “تلفن عياش” جديد، فتم الركون إلى التحقيق المحلي. الأخير لديه الإمكانيات لكشف الحقيقة، لكن التدخّلات السياسيّة حالت حتّى الآن دون كشف ملابسات تلك الجريمة، حينًا تحت عنوان “الإرتياب المشروع” الذي بموجبه تمّ إقصاء القاضي فادي صوان، وحينًا آخر تحت مسمّى الحصانات والجهة التي يجب أن تتولى التحقيق مع أصحاب المقامات. النتيجة واحدة، أهالي الضحايا لم يعرفوا بعد من قتل أبناءهم، وحرق قلوبهم بنيترات الأمنيوم، التي بقيت مخزّنة في العنبر رقم 12 ست سنوات.
بعضهم استعجل طي الملف، فتقمّص دور القاضي، وخرج يعلن انتهاء التحقيق، والبعض الآخر أطلّ بمقترح عقد جلسة نيابية في 4 آب لرفع الحصانات، وهناك من ذهب إلى المطالبة برفع الحصانات عن الجميع، بمن فيهم رئيس البلاد، كل هذه المواقف لا تلغي حقيقة واحدة، أنّ اللبنانيين، وعلى رغم جرأة السلف صوان والخلف البيطار، لم يعرفوا بعد من أحضر 2750 طناً من نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت، من هنا تبدأ الحكاية والجريمة. نظرًا للإخفاق في الإجابة على هذا السؤال الجوهري وأسئلة أخرى متفرعة عنه، عدنا نسمع مطالبات بتحقيق دولي، بالتزامن مع حلول الذكرى السنوية الأولى، فهل يمكن أن يتحقق ذلك؟ كيف الآلية وهل يستجيب المجتمع الدولي لمطالبات أهالي الضحايا وقوى أخرى بتحقيق دولي؟
المحامي والخبير الدستوري سعيد مالك يلفت في حديث لـ “لبنان 24″ إلى أنّ مطلب التحقيق الدولي يكون، إمّا بطلب رسمي من قبل الدولة اللبنانية، وإمّا بتدخل مباشر من الأمم المتحدة، وتحديدًا من مجلس الأمن الدولي ” أمّا مطلب أهالي الضحايا فلا يقود إلى تحقيق دولي، إذ لا صفة لهم، إلّا ضمن حدود الدور المعنوي لدفع مجلس الأمن للذهاب باتجاه تحقيق دولي، بمعنى أن يكون هناك عريضة مقدّمة من ذوي الشهداء والمصابين والمتضررين، على أن تكون عريضة شعبية كبيرة، تحمل تواقيع الآف أو عشرات الآلاف، تُقدّم إلى مجلس الأمن الدولي، عندها يمكن أن تشكّل دافعًا لتعيين لجنة تقصّي حقائق دولية. في الواقع الراهن، الدولة اللبنانية لن تذهب باتجاه طلب تحقيق دولي، في هذه الحال، لم يعد أمامنا إلا تحريك الرأي العام الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للذهاب بهذا الإتجاه”.
عدد من المنظّمات الحقوقية اللبنانية والدولية والأفراد، و62 من الناجين وعائلات ضحايا الإنفجار، وجّهوا رسالة مشتركة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مطالبين بإنشاء بعثة تحقيق دولية ومستقلّة ومحايدة، لعام واحد. في الإطار يوضح المحامي مالك أنّ مجلس حقوق الإنسان ليس إلا هيئة معنوية، يرفع تقريره إلى مجلس الأمن الدولي، والأخير يمثّل السلطة التنفيذية التي يمكن لها أن تنشىء هيئة تحقيق بطابع دولي.
للبنانيين مع التحقيق الدولي تجربة غير مشجعة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، نظرًا إلى العامل الزمني الذي استغرق 15 عامًا والحكم الذي طال أفرادًا من دون أن يشمل المدبّرين، ولكن الفارق كبير اليوم يلفت مالك ” في انفجار المرفأ لا نذهب باتجاه المطالبة بمحكمة دولية ضمن الإحتكام إلى القضاء الدولي، بل المطلوب فقط لجنة تقصّي حقائق، لتتمكن من كشف الملابسات وتحديد المسؤوليات، فتضع تقريرها وتحدد بموجبه كيف جرى التفجير ومن المسؤول والفاعل والمشترك والمتدخّل والمحرّض،على أن يُنظر بعدها بالمقتضى، فإذا تبيّن نتيجة التحقيق أنّ هناك تقصيرًا أو رؤوسًا كبيرة متورطة، يتمّ الإنتقال للمطالبة بمحكمة دولية او محكمة ذات طابع خاص”.
شارك في التحقيق في انفجار المرفأ محققون دوليون، بحيث وصل خبراء فرنسيون بعد يومين على وقوع الجريمة، بعدها بحوالي عشرة أيام انضمّ إليهم محققون بريطانيون، ثم آخرون من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (FBI)، ولكن هؤلاء عملوا تحت إدارة التحقيق المحلي ،والنيابة العامة التمييزية هي من كانت تدير التحقيق من ثم المحقق العدلي، يلفت المحامي سعيد مالك “بالتالي الموضوع ليس موضوع كفاءات، بل إدارة تحقيق، فعندما نصل إلى مكان حيث لا إمكانية للتوصل إلى الإستماع إلى نائب أو وزير أو مسؤول أمني ،فعن أي إدارة تحقيق نتكلم؟
خلص مالك إل القول “إن لم يُصر إلى رفع الحصانات، وإعطاء الأذونات، فليس هناك من إمكانية لكشف الحقيقة، التي ستبقى مستورة ومغيّبة، حتى يصار إلى تعيين لجنة تقصّي حقائق دولية لكشف الطلاسم”.
الحقيقة التي تحتاج بعلم القانون إلى إدلة لا تقبل الشك، هي معلومة من اللبنانيين سواء كشفها التحقيق أم لا، تبدأ بأولئك الذين أحضروا نيتراتهم المتفجّرة إلى العنبر رقم 12، لتصل إلى كلّ من علم بوجود هذه المواد الخطرة من رؤوساء ونواب ووزراء وأمنيين وقضاة وموظفين، من دون إغفال صاعق التفجير وما حُكي عن عامل خارجي، ثلاثية ساهمت بارتكاب ثالث أكبر انفجار في العالم المعاصر، حصيلته، 214 شخصًا، بينهم أطفال، 6500 جريح، 300 ألف مشرّد، تدمير نصف بيروت، 73 ألف شقّة سكنية تضرّرت وبعضها دُمّر بالكامل، 163 مدرسة ومنشأة تعليمية تضرّرت، و106 منشآت صحية، بينها 6 مستشفيات و20 عيادة.
لبنان 24