فوجئ اللبنانيون أمس بإنشغالات رئيس الجمهورية ميشال عون التي تتقدم على عقد الاجتماعات المتلاحقة مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة، حيث تشير المعلومات الى أن عدم قيام ميقاتي بزيارة قصر بعبدا نهاية الاسبوع الفائت كان أيضا بسبب إنشغالات عون الذي أبلغه أمس بأنها مستمرة يوميّ الثلاثاء والأربعاء وأن موعد التشاور الجديد بشأن عملية تأليف الحكومة هو يوم الخميس المقبل.
من يراقب سلوك الرئيس عون في التعاطي مع تأليف الحكومة التي من شأنها إنقاذ العهد والبلد، يكاد يجزم أنه غير مطلع على حجم الأزمات التي ترخي بثقلها على اللبنانيين، فلا هو إستنفر لمواجهة أحداث خلدة التي كادت أن تأخذ لبنان الى فتنة مذهبية تحاكي فتن بعض الدول المجاورة، ولا يبدو أن دوائر القصر ترفع له التقارير عن “جهنم” التي تجتاح لبنان وتلهب شعبه العظيم بالدولار والغلاء والوباء والبطالة والفقر والجوع والكهرباء والمحروقات والدواء والاستشفاء والتفلت الأمني من تصفية الحسابات بالحديد والنار الى السرقات والسطو المسلح، ما يدفعه الى التعاطي مع القضايا الملحة على غرار تشكيل الحكومة بكثير من البطء وفرض الشروط وكأن كل شيء يسير على ما يرام.
ليس من المنطق في شيء أن يكون رئيس الجمهورية على علم ودراية بكل ما تشهده البلاد من أزمات، ثم يتصرف بلامبالاة حيال تشكيل الحكومة أو يعطلها للحصول على مكاسبه مع فريقه السياسي، وإن كان هذا الأمر حقيقة، فإن ثمة خللا في الآداء الرئاسي لا بد من التوقف عنده لأن التعاطي مع شعب يواجه الموت في كل لحظة ومع بلد دخل مرحلة الانهيار بهذه البرودة هو أقرب الى التأمر، إذا لم يكن شيئا آخر.
أمام هذا الواقع، خرج الرئيس المكلف من لقائه مع رئيس الجمهورية من دون علامات رضى عن نتائج الاجتماع الرابع، وقد كان ذلك واضحا من إشارات عدة بدءا من الوقت الذي إستغرقه وهو لم يتعد 25 دقيقة، فضلا عن ملامح ميقاتي الذي عبر من خلالها عن إستيائه، إضافة الى حرصه على أن يستهل كلامه بالاشارة الى أحداث خلدة تاركا أمر الحكومة الى أسئلة الصحافيين.
كلام ميقاتي من على منبر قصر بعبدا حمل العديد من الرسائل لكل من يعنيهم الأمر داخل القصر وخارجه، وأهمها أن “اللبنانيين سئموا وملوا كلام المحاصصة، وتوزيع الحقائب والصراع للحصول عليها، كما أنهم لا يريدون أن يسمعوا بطائفة أو بمذهب أو بدستور، بل يتطلعون الى إنقاذ البلد من خلال حكومة نتعالى فيها جميعا فوق كل الاعتبارات وتشكل رافعة لهم وليس عامل إحباط إضافي”.
إنطلق ميقاتي في مهمته من مبدأ الحفاظ على نفس التوزيع المذهبي والطائفي في الحقائب السيادية لكي يتفادى على حد قوله تحريك “وكر الدبابير”، وفي ذلك حسم للنقاش بأن وزارة الداخلية ستبقى في عهدة الطائفة السنية، الأمر الذي يرفضه رئيس الجمهورية كونه يضع عينه على الداخلية، خصوصا أن هذه الحكومة سوف تشرف على الانتخابات النيابية المقبلة.
يبدو واضحا أن المفاوضات بين الرئيسين حول عملية التأليف لن تكون سهلة، خصوصا أن عون “عنيد” وميقاتي “صعب المراس”، وهو تحدث أمس بلغة الواثق بأنه يشكل الفرصة الأخيرة للعهد، عندما أكد أن المهلة لن تكون مفتوحة و”يلي بدو يفهم يفهم”، وفي ذلك تهديد مبطن، بأنه ليس ساعيا الى رئاسة الحكومة، بل هو جاء ليحمل كرة نار بهدف وقف الانهيار، فإما أن يصار الى تسهيل مهمته وإلا فإن العهد هو الذي سيخسر هذه الفرصة.
في حين تقول مصادر سياسية مواكبة، إن ثمن إعتذار نجيب ميقاتي لا يقاس بثمن إعتذار سعد الحريري، بل سيكون الثمن غاليا جدا على العهد الذي سيواجه بإعتذار إبن طرابلس “الارتطام الكبير”، وتداعيات سياسة الأرض المحروقة ضده.
المصدر: سفير الشمال