خرج الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من قصر بعبدا بعد الاجتماع المدرج مع الرئيس ميشال عون حانقاً على ما وصفه التباطؤ في “وتيرة تشكيل الحكومة” التي كان يتمنى ان تكون “أسرع مما هو حاصل”.
وعزا الرئيس ميقاتي، تأخير عقد الاجتماع الخامس إلى الخميس، بارتباطات اليوم، في إطار التهيئة لمؤتمر الدول المانحة في الرابع من آب، “الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت” وسط مؤشرات ومخاوف من تطورات قد تتصل بالتحركات المعترضة على ملفات متعددة، منها التأخر برفع الحصانات.
وعلى هذا الصعيد، يحظى المؤتمر الدولي الذي تنظمه فرنسا والأمم المتحدة غداً تحت عنوان “الاستجابة لاحتياجات الشعب اللبناني”، بالتزامن مع الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت.
الاهتمام الواسع
ووفقاً ما اعلنته الرئاسة الفرسنية “مع تدهور الوضع (..)، تقدّر الأمم المتحدة بأكثر من 350 مليون دولار الحاجات الجديدة التي يتيعن الاستجابة لها في مجالات عدة تحديداً الغذاء والتعليم والصحة وتنقية المياه”، فيما يغرق لبنان في انهيار اقتصادي غير مسبوق، تتراجع معه قدرة المرافق العامة تدريجاً على تقديم الخدمات الأساسية للسكان.
وأضافت “يتعلّق الأمر بتقديم المساعدة مجدداً الى شعب لبنان”، الذي صنّف البنك الدولي أزمته الاقتصادية من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
ويُنظم المؤتمر عبر تقنية الفيديو، برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. ويحضره إلى جانب الرئيس عون، ممثلون عن قرابة أربعين دولة ومنظمة دولية، أبرزهم الرئيس الأميركي جو بايدن الذي يلقي كلمة عبر الفيديو، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبدالله الثاني.
كذلك، تشارك في المؤتمر المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال ورئيسا حكومتي اليونان والعراق، إضافة الى وزير خارجية كل من ألمانيا والنمسا وايطاليا وإسبانيا وبريطانيا وهولندا وبلجيكا وكرواتيا وفنلندا. كما يحضر الاجتماع ممثلون عن السعودية وقطر والإمارات.
وهذا المؤتمر هو الثالث الذي تنظمه فرنسا والأمم المتحدة لتقديم مساعدات إنسانية منذ انفجار المرفأ المروّع الذي أودى قبل عام بحياة أكثر من مئتي شخص ودمّر أجزاء كاملة من العاصمة وفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والانقسام السياسي الحاد في البلاد. وجمع المؤتمر الأول في التاسع من آب، بعد أيام من انفجار المرفأ مساعدات بقيمة 280 مليون يورو.
وشددت أمس الرئاسة الفرنسية على أنّ المؤتمر سيشكل “مناسبة” جديدة “لتوجيه رسالة سياسية واضحة للغاية: رغم التزام مختلف القادة السياسيين اللبنانيين، ما زال لبنان بلا حكومة”.
وأوضحت أنّ المشاركين “سيؤكدون على ضرورة تشكيل حكومة بشكل سريع قادرة على تنفيذ اصلاحات هيكلية ينتظرها اللبنانيون والمجتمع الدولي، وتسمح بتقديم دعم” لا يقتصر على الاستجابة للحاجات الطارئة.
وافادت المعلومات ان هدف المؤتمر مساعدة الشعب اللبناني، وان هناك مبلغ 250 مليون دولار مسجلة من مشاركين ، وان مساهمة فرنسا قد تصل الى 80 مليون اورو ما عدا مبلغ 150 مليون اورو قيد الانفاق على مشاريع تنفذها مؤسسات المجتمع المدني في القطاع التربوي والصحي والاستشفائي والثقافي والمستشفيات والجامعات والمدارس.مع توقعات بإزذياد ارقام الدعم من دول عربية وغربية.
وينعقد المؤتمر وسط علامات استفهام راحت تتجمع في سماء المحاولة الجارية الآن لتأليف الحكومة، بعدما اعرب الرئيس ميقاتي عن استيائه لعدم إمكان تأليف الحكومة قبل عقد المؤتمر.
ولاحظت مصادر دبلوماسية أوروبية ان الضغوط لم تنجح على الطبقة السياسية لتسريع ولادة الحكومة، التي يشترط المجتمع الدولي ان تضم اخصائيين، وتنفيذ إصلاحات جذرية مقابل تقديم الدعم المالي.
وحسب هؤلاء، فالمساعدات التي تقدّم لا تمر بالمؤسسات الرسمية، رغم تكرار السلطات المناشدة للجهات المانحة عدم ربط المساعدات بتأليف الحكومة.
في اليوميات اللبنانية، وفيما انشغلت البلاد خلال اليومين الماضيين في إخماد حريق خلدة الذي حصد عددا من القتلى والجرحى في الاشتباك بين عناصر من عرب خلدة واخرين من بيئة حزب الله وانصرف ذوو الضحايا الى تشييعهم، وفي إخماد حرائق عكار التي تجددت امس في فنيدق وفي الكورة، وفيما بدأت البلاد بإحياء ذكرى كارثة إنفجار المرفأ، دخلت عملية تشكيل الحكومة في بازار الحصص مجدداً بعد تعذر توصل الرئيسين عون وميقاتي في اللقاء الرابع بينهما امس، الى مقاربة مشتركة لتوزيع الحقائب السيادية الاربع لا سيما الداخلية منها اضافة الى حقيبة العدل. حيث اقترح ميقاتي الإبقاء على توزيع الحقائب السيادية كما هي في توزيعة حكومة حسان دياب اي الداخلية للسنّة والعدل للمسيحيين لكن عون رفض. وكان الملفت للإنتباه ان الرئيس المكلف لوّح بعدم وجود مهلة مفتوحة للتشكيل قائلاً: “بالنسبة لي المهلة غير مفتوحة، وليفهم من يريد ان يفهم”.
وبعد اللقاء الذي لم يدم اكثر من 25 دقيقة، قال ميقاتي الذي بدا غير مرتاح: في اجتماعنا أخذ موضوع الحوادث الامنية التي حصلت بالأمس حيزا مهما، وهي حوادث مؤسفة، ونتمنى ان يكون قد تم وضع حد نهائي لها بفضل جهد الجيش والقوى الامنية. الجيش، وفي يوم عيده، قدم للبنانيين هدية بحفظ الأمن ووأد الفتنة، وهو يؤكد يوما بعد يوم أنه حامي هذا الوطن. شكرا لقيادة الجيش وللضباط وللافراد ونحن نعلم كم يعانون.
أضاف: في ما يتعلق بالحكومة، فبكل صراحة كنت أتمنى ان تكون وتيرة تشكيل الحكومة أسرع مما هو حاصل، وان نكون انجزنا الحكومة لنزفها للبنانيين قبل 4 آب، هذا التاريخ الذي شكل نكبة كبيرة في لبنان اصابت جميع اللبنانيين، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. علينا ان نجعل المواطن يشعر، بعد سنة من غياب الدولة والحكومة، انه باتت هناك حكومة ودولة. اليوم لا يمكننا ان نعتب على الاهالي والمتضررين، لأنه على مدى سنة، لم يكن هناك وجود للدولة، وكان واجبنا ودورنا ان نكون الى جانبهم في ذكرى 4 آب.
وردا على سؤال، أجاب الرئيس ميقاتي:بكل صراحة المواطن اللبناني مل كلام المحاصصة، وهذه الحقيبة لفلان او فلان، وكأننا نتحدث عن شقق مفروشة يريد كل شخص الحصول عليها. البلد يحتاج الى انقاذ، فإما ان نتعالى جميعا فوق كل الاعتبارات، وإلّا سنبقى جميعا في اماكننا. ولكي أتفادى ان نحرك “وكر الدبابير”، ونبدأ بالاختلافات، انطلقت في مهمتي من مبدأ الحفاظ على نفس التوزيع المذهبي والطوائفي الذي كان معتمدا في الحكومة السابقة، تفاديا لأي خلاف جديد، ولم أنطلق، لا من مبدأ طائفي او مذهبي، لأن اللبناني لم يعد يريد ان يسمع لا بمحاصصة او بطائف او بدستور، بل يريد حكومة تشكل رافعة له، ولا تتسبب بإحباط إضافي له.
وختم ردا على سؤال: “بالنسبة لي المهلة غير مفتوحة، وليفهم من يريد ان يفهم”.
وافادت بعض المعلومات من مصادر مقربة لبعبدا “ان هناك نية لدى الطرفين واستعداداً لتشكيل حكومة على امل ان يدور ميقاتي الزوايا ولاسيما في ما خص حقيبتي الداخلية والعدل كي لا تقع مرافق عامة بيد طائفة واحدة”، فيما ذكرت مصادر اخرى ان الجو بين الرئيسين كان متشنجاً ولم يحصل اي توافق ما يؤخر تشكيل الحكومة ربما الى فترة اطول من المتوقع، لذلك فالرئيس ميقاتي يضع مهلة 10 ايام لاتخاذ القرار بشأن التشكيل. وهو تواصل مع الفرنسيين في الايام الماضية وابلغهم بوجود عُقّدٍ حكومية.
وليس من باب المصادفة طبعاً، ان سعر الدولار ارتفع بعد تصريح ميقاتي نحوالف ليرة فتجاوز العشرين الفاً بعدما كان صباحا بسعر 19150 ليرة.
وافادت مصادر مطلعة لـ”اللواء” أن الرئيس عون وميقاتي درسا توزيع الحقائب وقالت أنه بفعل تعديلات في الحقائب حصل تبدل في التوزيع مشيرة إلى موضوع الوزارات السيادية لا يزال يستدعي متابعة أي أنه لم يحسم بعد.
وفهم من المصادر إنه حتى الساعة التأليف لا يزال عالقا عند حقيبة الداخلية في الوقت الذي لم يحسم فيه مبدأ المداورة.
وكشفت مصادر متابعة ان مسار تشكيل الحكومة، شهد تباينا واضحا بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية الذي يصر على اعتماد مبدأ المداورة في الحقائب الوزارية الاربعة الداخلية،والخارجية والمالية والدفاع، في التشكيلة الوزارية المرتقبة، بينما يرفض ميقاتي التجاوب مع مطلب عون هذا، ويفضل الاستمرار باعتماد صيغة الوزارة المستقيلة.واشارت المصادر الى ان ميقاتي ابلغ رئيس الجمهورية باستثناء الوزارات الاربع من المداورة وتعميمها على باقي الوزارات بالتشكيلة الوزارية التي يعدها،الا ان عون ما يزال يرفض،ويطالب أيضا، بتعيين مستشاره سليم جريصاتي للعدل،والعميد المتقاعد جان سلوم للداخلية،الا ان ميقاتي يرفض هذا الطلب. وتوقعت المصادر ان يكون موضوع البت بالوزارات الاربع موضع الخلاف في لقاء الخميس المقبل في بعبدا، حيث توقف البحث بالتشكيلة الوزارية عند هذه المشكلة امس الاثنين، فيما ترجح المصادر نفسها تحقيق أي تقدم ايجابي باتجاه عملية تشكيل الحكومة الجديدة قريباً.
ولفتت إلى أن الرئيس ميقاتي قدم امس مسودة حكومية وإن زيه الرسمي والمجلد الاسود اوحيا بذلك موضحة ان لقاءهما المرتقب الخميس سيبحث في ما تبقى من نقاط وقد يقدم رئيس الحكومة المكلف صيغة شبه مكتملة في توزيع الحقائب. ونفت المصادر إن تكون الأبواب غير مقفلة بدليل أن هناك اجتماعا آخر سيعقد بينهما.
واذ كررت القول أن هناك تقدما في موضوع توزيع بعض الحقائب الأساسية لفتت إلى أن النقاش سيستكمل حول الوزارات السيادية معلنة أن موضوع التشكيل في لبنان يخضع دائما للأ خذ والرد.
وقالت إن ما ذكره الرئيس ميقاتي عن البطء في التأليف لا يتوجه به نحو أحد وإن موضوع المهلة اتى ردا على بعض وسائل الإعلام التي حددت للرئيس ميقاتي توقيتا معينا له.
إلى ذلك أعربت أوساط مراقبة عن اعتقادها أن الكلام بدأ يسود عن تعثر التفاوض نظرا إلى التشبث بالمواقف ورفض مبدأ المداورة في الحقائب السيادية. ولفتت إلى أن هناك رغبة لدى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف في الإسراع بتأليف الحكومة.
وفي السياق، لفتت مصادر متابعة عبر اللواء الى ان تمسك بعض الاطراف بحقائب وزارية محددة من دون اخرى، يتناقض مع المبادرة الفرنسية التي اتفق عليها جميع الاطراف بعد طرحها من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والتي تدعو في احد ابرز نقاطها الى اعتماد المداورة الشاملة في توزيع الحقائب الوزارية. ورأت هذه المصادر ان تجاهل مسألة المداورة خلق اشكاليات في مسار تشكيل الحكومة ما يسبب في تأخير ولادتها.
وذكّرت المصادر ان الصيغة الاولى للتشكيلة الحكومية التي قدمها الرئيس سعد الحريري، اعتمدت مبدأ المداورة في الحقائب ما عدا حقيبة المالية، فاعطى وزارة الخارجية لدرزي، والداخلية للروم الارثوذكس، واقترح وزيرا ارمنيا للدفاع، اضافة الى تغيير في وزارات اخرى. الا ان الامر تغير في الصيغة الثانية للحكومة التي كان قدمها قبل ان يعتذر.
واعتبرت المصادر نفسها ان التزام المبادرة الفرنسية من قبل الاطراف السياسيين، يفترض بالتالي احترام بنودها وفي مقدمها مبدأ المداورة في توزيع الحقائب الذي يشكل حلا طبيعيا للاشكالية القائمة حول تأخير ولادة الحكومة نتيجة التمسك بحقائب معينة وعدم اعتماد المداورة فيها.
باسيل: مشكلة مع بري
وعشية ذكرى 4 آب الأليمة، رمى النائب جبران باسيل بمشكلة جديدة، إذ دعا الرئيس نبيه بري إلى عقد جلسة لرفع الحصانات يوم غد (4 آب).
ولم تعلق اوساط رئاسة مجلس النواب على ما طلبه رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل حول عقد جلسد خلال 48 ساعة لرفع الحصانات واكتفت بتكرار ما قاله الرئيس نبيه بري امس الاول وذكرت بمواقفه السابقة وتحديداً بعد لقائه كتلة المستقبل “ان المجلس النيابي تعاون ويتعاون وسوف يتعاون مع القضاء حتى كشف الحقيقة كاملة في ملف انفجار المرفأ”.
واكدت ان رئيس المجلس يصر على ان لا غطاء على احد والحصانات هي فقط للعدالة والحقيقة والقانون والدستور واولاً واخيراً لدماء الشهداء.
اللواء