رغم ما يرشح من أجواء ايجابية عن لقاءات الرئيس المكلف نجيب ميقاتي واتصالاته المستمرة مع المعنيين من أجل تأليف الحكومة العتيدة في وقت قريب، بيد أن ضبط الساعة على توقيت مكوّن سياسي يواصل التسويف، وفق مصادر سياسية بارزة في 8 اذار، ليس إلا مضيعة للوقت، خاصة وان هذا الفريق لن يتعالى على ما يبدو عن مطالبه الخاصة ويسعى الى تكريس أعراف جديدة، يتطلب طرحها ظروفا مختلفة وحوارا بين كل القوى السياسية ليبنى على الشيء مقتضاه في حينه، خاصة وأن أي محاولة للعودة الى ما قبل الطائف عبر الكيدية وانتزاع حصص من هنا وطرح بدع من هناك لن تمر.
لقاء الاثنين المنتظر سيشكل مفصلاً أساسياً بين الإيذان بنجاح الرئيس المكلف في تأليف حكومة وبالتالي إزالة العقبات التي تحكمت سابقا في عملية التاليف، أو انسداد أفق تفاهمه مع رئيس الجمهورية حول وزارتي العدل والداخلية وبعض الطروحات العونية التي تتصل بالشأن المالي والمصرفي، علما أن مصادر نيابية بارزة ترى في تسمية حزب الله لميقاتي اشارة لا بد من التوقف عندها سياسيا لجهة نزع حزب الله الغطاء عن “التيار الوطني الحر” في مسألة تأليف الحكومة، الامر الذي من شأنه ان يدفع النائب جبران باسيل المحشور سياسياً والذي امتعض من موقف حزب الله الى التفكير ملياً قبل الانقلاب على الجميع، والتشدد بالسياسة نفسها التي تعاطى بها مع الرئيس سعد الحريري، علما ان اوساط التيار العوني، تؤكد أن تكتل لبنان القوي ينظر الى التصور الذي قدمه الرئيس المكلف الى رئيس الجمهورية على أنه مقبول وقابل للنقاش.
وإذا كانت الأمور تتراوح بين التفاؤل والتشاؤم من عملية التأليف التي يقال إنها ستبدأ جديا بعد الرابع من آب فإن سؤالا افتراضيا يطرح في الصالونات السياسية ومرده ماذا لو لم تتألف الحكومة خلال مهلة معينة؟ هل يعتذر الرئيس ميقاتي ام يبقى رئيسا مكلفاً ؟ وفي حال اعتذر، هل من يجرؤ على القبول بالتكليف من أجل التأليف؟
وفق أوساط 8 آذار، يدرك العهد أن البلد بأزماته المتتالية لا يحتمل اطالة امد التأليف، وبالتالي فإن موقفه سوف يتضح اعتبارا من الاثنين ، فإما الابقاء على السقف الذي رسمه لنفسه في مسألة التأليف وبالتالي بقاء الامور على ما هي عليه، أو ابداء حسن نية و تجاوز الخلافات حول التوزيع الطائفي للحقائب ومد اليد.
والثابت، وفق المصادر نفسها، أنه إذا لم تتألف الحكومة ودخلت المفاوضات في المراوحة، فإن الرئيس ميقاتي، وفق عارفيه، لن يبقى رئيسا مكلفا الى اجل غير مسمى، فهو صحيح قرر تلقف كرة النار من اجل وضع حد لانهيار البلد، لكنه لن يسمح أن يُحمَل تبعات سياسات المعطلين، وعندها من المنطقي أن لا تبادر أي شخصية سنية الى طرح نفسها لتأليف الحكومة لكي لا يتكرر السيناريو نفسه معها ويبقى البلد في دوامة التكليف من دون التأليف.
لكن الأكيد، وفق المتابعين الاجواء الدبلوماسية أن الموقف الدولي لن يبقى متفرجاً أو مكتفيا بالبيانات الحاثة على تأليف حكومة من هنا أن اجراء انتخابات نيابية من هناك، صحيح أن دعم الجيش سيستمر من قبل الولايات المتحدة على وجه الخصوص عطفا عن دعم الشعب من قبل فرنسا التي تخصص له مؤتمرا الاربعاء بدعم من الأمم المتحدة وبمشاركة عدد من الدول الغربية والعربية والخليجية مع احتمال مشاركة السعودية، بيد أن قطار العقوبات الفرنسية سوف يتحرك سريعا ليشمل كل من عطل مبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون من الطبقة السياسية، وصولا الى العقوبات الاميركية، فالنائب الديموقراطي تيد دويتش الذي رأس اجتماع اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا والإرهاب الدولي في مجلس النواب الأميركي الخميس الماضي أشار إلى أنه يشجّع الإدارة الأميركية على اتخاذ تدابير لإرسال رسالة إلى السياسيين في لبنان أنّ واشنطن ستستخدم قوة نظامها المالي من أجل اجتثاث الفساد وتعزيز الاستقرار، علما أنه شدد ضرورة أخذ الحرب الأهلية والتوتّرات الطائفية في عين الاعتبار، خصوصاً أنّ انهيار الدولة يمكن أن يسفر عن تعزيز نفوذ خصوم الولايات المتحدة في لبنان، ومن ضمنهم إيران، سوريا و”حزب الله”، وهذا يعني أن الموقف الدولي لا سيما الاميركي سيبقى متيقنا لمخاطر اي انفجار امني في لبنان، وفي الوقت نفسه سيستمر في سياسته الضاغطة وحصاره على البلد.
وعليه، فإن عدم تأليف حكومة يعني ان حكومة الرئيس حسان دياب سوف تدير الانتخابات المقبلة، لكن في المقابل سيدخل لبنان النفق الاشد قتامة على المستوى المعيشي والاجتماعي، فالدعم الغربي للجمعيات والاسر الاكثر فقرا ليس السبيل الى ترتيب الاوضاع المالية والاقتصادية، فلبنان يحتاج حكومة تنفذ الاصلاحات وتتفاوض مع المنظمات الدولية المالية لوقف الانهيار. فهل من يتعظ!.