من الآخر ومن الأول “ما بدنا جيش بلبنان غير الجيش اللبناني…” ومنسأل ليش صار فينا هيك…. وعم نكره بلبنان العيش؟ إلّي فعلاً، حابب تحمينا، تروك حزبك وفوت عالجيش…عمرو ما بفرّق بين أساميكن ولا بيسأل من وين وليش”.
جيشٌ ما قصّر جنوده بواجبٍ فيما الجميع مقصّرون بحقهم… يواجهون التحديات وآخرها ما فرضته الأوضاع المعيشية والإقتصادية التي لامست حدّ الإنهيار، فكانوا على قدر المسؤولية، الى جانب رفاق الأمس ، رافضين التخاذل أمام القيام بواجباتهم، صونًا لوطنهم وحفاظًا على شعبهم ، مقدّمين درسًا في التعالي فوق الصعوبات بشرفٍ، راسمين صورةً للعسكري بأبهى حللها، مدركين أن من بينهم، خرج متسكّعون على أبواب السياسيين ، باحثين لاهثين عن حظوة منصب من هنا وترقية من هناك… متنازلين عن أمانة وقَسَم، متخاذلين أمام دماء رسمت خطوط القوانين والأنظمة بالأحمر الأرجواني… فسقطوا ليسقط معهم الكثير من الهيبة والعنفوان، كيف لا وهم من خبروا المتاجرة بدماء رفاقهم…
عند هذه النقطة ينتفض العسكريون ويثورون… كثيرٌ من التطاول على الحرمات، الكرامات والبطولات، في أسواق المزايدات، التسويات والمقايضات … وغصّة ودمعة لرفاقٍ قيلَ فيهم الكثير من التجنّي… منهم من رحل ومنهم من ينتظر… إن لم يكن اليوم فغداً….حيث أنّ مفتاح الفرج صبر عيل منه أيوب نفسه….
حتى يوم حاول “التمرّد” منتفضاً، سقط في محظور السلطة والتسلّط، فتراجع وكبت، ليتقدّموا ويهجموا ، جاعلين منه دائماً أبداً، عنوانًا رئيسيًّا للمنافسة والتجاذب السياسي… استغلّوا عقدة “المارونية الرئاسية”، مصوّبين عبرها للنيل منه، متناسين أنّه من اللواء فؤاد شهاب الى العماد جوزيف عون، شيئاً لم يتغيّر. معارك “وهمية” ضد “أحلام اليرزة الوردية”، كلما اقترب موعد التغيير في بعبدا. حكاية إبريق نضب زيته ولم يتعب المتطاولون، متناسين أن بين القيادة والجيش فرقاً كبيراً… الأولى ترحل إلى محاكم التاريخ فيما يبقى الثاني كالأرزة شامخًا، متحدّيًا، مرفوع الجبين، تسري في عروقه دماء طاهرة… جيشٌ أكبر من الكلّ وفوق الكلّ، هو الذي يرى نفسه صغيراً في مقياس الوطن، فكيف له أن يرضى للصغار أن يجعلوا الوطن على قياسهم…
فإلى هؤلاء… من مواطنين ومحلّلين ومنظّرين رئاسيين وأبواق حزبية ….أبعدوا الجيش عن مطامعكم الشخصية وابتعدوا عنه… فعسكريّوه ليسوا للبيع …كفّوا شرّكم… فغيرتكم مضرّة، صداقتكم مؤذية، ومونتكم في غير مكانها…
وبعيداً عن الكلام الوجداني والعاطفي “يلّي ما عاد يطعمي خبز” من جهة، و”ما عاد إلو سوق” من جهة تانية، وفي ظلّ حملات المزايدات على وسائل التواصل الإجتماعي، المُجافية للواقع في كثير من الأحيان، والتي غايتها “شدّ الجيش” واستمالته في هذا الإتجاه أو ذاك، لا بد من الإعتراف بوجود فجوات عميقة نتيجة تراكمات سنوات طوال.
وليزيد طين تأثير ثورة 17 تشرين على”المرقّط”، كانت بلّة الأزمة الإقتصادية، ومحاولات البعض علاجها بما يوسّع الشرخ بين الجيش والشعب، والذي لا يصبّ إلاّ في حساب المصالح الضيقة. من هنا كان سعي قيادة الجيش إلى طلب دعم الدول الصديقة، عربية كانت أم غربية، رغم الهفوات غير المقصودة أحياناً ، التي حصلت عن حسن نية، والتي دفعت البعض إلى الحديث عن “شحادة” غير مقبولة، لما لها من تأثير على كرامة المؤسسة ومعنويات أفرادها، كما من تداعيات ذلك على مستقبلها. ثغراتٌ مبرّرة في ظل العجز المتمادي عن تظهير مواقف الجيش بشكل صحيح ، وفشل المنظومة الإعلامية العسكرية -المدنية عن تأدية وظيفتها بشكل صحيح.
في كل الأحوال لبّت دول العالم النداء الذي أطلقه العماد جوزيف عون، وكان مؤتمر باريس الإطار الجديد، الذي بالتأكيد لم يأت بمستوى الطموحات لجهة الرهان على الحصول على مساعدات مالية تسمح بتحسين رواتب العسكريين، رغم إدراك القيادة مسبقاً لصعوبة حصول ذلك واقعاً، ولعدة أسباب. كل ذلك فيما ينشط فريق أبحاث أميركي من أصحاب الإختصاص ومن مسؤولين سابقين تعاطوا الملف اللبناني، لإنجاز دراسة مفصّلة عن الجيش اللبناني، تتناول أدقّ التفاصيل، وتتضمّن توصيات لرفعها إلى البيت الأبيض والكونغرس، تمهيداً لاتخاذ اللازم بشأنها ، في ظل شدّ الحبال السياسي حول موقف الجيش في أكثر من استحقاق.
خلافاً للعادة ،وعذراً من الشاطر حسن …. أودعكم وصيةً غاليةً حفظها من جندي مجهول… كان والداً وأخاً وصديقاً له ذات يوم… “الجيش الذي يحتضنكم يدعوكم للعمل والمثابرة ويطلب منكم العطاء بسخاءٍ وجهدٍ… فإن قويَ بكم تنتصرون على كلّ شيء…. وإن أضعفتموه خسرتم كلّ شيء”… فمن أولى منكم وأحقّ؟
فمعكم فقط يشعر كلّ واحد منّا…. بأنّه لبناني… ويفخر كلّ واحد منكم بأنّه “الوطن”… كي يحيا الجيش ويعيش لبنان.