الشعب يترقب ولادة الحكومة، على صدى صرخات أمهات شهداء 4 آب الثكلى وأنين جرحى الإنفجار الذين لا دواء يبلسم جراحهم ويخفف من آلامهم ولا مستلزمات طبيّة تكفي لإكمال عملياتهم الجراحيّة.
الشعب يترقّب ولادة الحكومة، و يطلّ عليه المسؤولون في هذه الأكثريّة الحاكمة يومياً ليخدعوه قائلين أنها الحل الوحيد لرفع نير المعاناة عن كاهله، فيما الحقيقة أن الحلّ الوحيد هو رحيل جيمع هؤلاء تبعاً لبيت عنترة بن شداد: “لا تَـسقِني مـاءَ الـحَياةِ بِذِلَّةٍ… بَـل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ مـاءُ الـحَياةِ بِـذِلَّةٍ كَـجَهَنَّمٍ… وَجَـهَنَّمٌ بِـالعِزِّ أَطـيَبُ مَنزِلِ”.
الشعب، الذي من المفترض أن يكون “أسد غاب” يُذلّ في هذا العهد، بفعل ممارسات هذه الأكثريّة الحاكمة وعلى رأسها “حزب الله”، وسيصل إلى مكان ينهش فيه لحم بعضه البعض ، عندما “ساورتنا الفتن” فقد حوّلوا “بحره برّه درّة الشرقين” إلى “أوهن من بيت العنكبوت”، و”اسمه عـزّه منذ كان الجدود” إلى بلد ينتظر الصدقة الدوليّة ليأكل ويلبس ويتطبّب.
أصبحنا من الهشاشة لدرجة أن “النموذج الإقتصادي” يتأرجح فيه سعر صرف الدولار في السوق السوداء صعوداً ونزولاً مع كل مصدر متفائل بولادة الحكومة قريباً من هنا وآخر متشائم من هناك. تركيبتنا الإجتماعيّة أصبحت اليوم على فوّهة بركان لا يعرف أحد متى ينفجر، أحداث أمنيّة هنا وهناك وتصاعد رهيب في نسبة الجرائم من سرقات وقتل في جميع المناطق من دون أي استثناء.أما السيادة فحدّث ولا حرج، صواريخ معدّة للإطلاق من هنا وخروقات جويّة من هناك، صواريخ تسقط في جبيل والكورة مجهولة المصدر ولا أحد يحرّك ساكناً فالبلاد مستباحة عن سابق تصوّر وتصميم.
وإذا ما تطرّقنا إلى الحريات، فنظرة سريعة على مواقع التواصل الإجتماعي تكفينا لندرك مدى تقبلنا لهذه القاعدة، لا بل نظرة سريعة إلى مقابلات بعض النواب والوزراء ولم لا الرؤساء، تعطينا خير برهان عن مبدأ الحريات ومنطق الحريات السياسيّة في البلاد. أما بالنسبة لتدني المستوى الفكري والوعي الجماعي في مجتمعنا ففي هذا لا عتب على الناس فما وصلوا إليه من قرف وبؤس وعوز يُبيح كل المحظورات.
وبالإنتقال إلى السياسة اليوميّة، نجد مؤشرات غير محسومة في مسألة تأليف الحكومة المنتظرة، فبحسب أوساط سياسيّة متابعة، إن “حزب الله” لطالما كان داعماً لتشكيل الحكومة وهو دفع بذلك الإتجاه وقد قام بمبادرات ودعم أخرى، وللتذكير فقط، فهو كان من أقوى الداعمين لمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما أوفد المعاون السياسي لأمينه العام حسين خليل في وساطات، وبالتالي كان يسعى في هذا الإتجاه ، إلاّ أن كل جهوده باءت بالفشل ولم يصل إلى أي مكان لسبب واحد ، وهو أنه لم يكن يريد أن يصطدم بحليفه الإستراتيجي الرئيس ميشال عون، كما لا يريد في الوقت عينه تبنّي موقف الأخير، الأمر الذي سيحتّم عليه الإصطدام بالحالة السنيّة في البلاد الممثلة بالرئيس سعد الحريري، ولذلك اتخذ موقف الداعم والمساعد إلى حدود، في تأليف الحكومة.
وتلفت الأوساط إلى أن الفارق اليوم أن “حزب الله” ذهب إلى التبنّي العلني للرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، بعكس عدم تسميته الحريري سابقاً، وهذا التكليف العلني هو من أجل أن يقول لعون أن ما تمّ تفويته مع الحريري لاعتبارات “لي الأذرع” بينكما، لا ينطبق على الحالة الميقاتيّة، وأن تسمية ميقاتي هو بحدّ ذاته رسالة يجب على العهد، بشخصيه الرئيس عون ورئيس “التيار الوطني الحر “النائب جبران باسيل، أن يقرأها جيّداً بما معناه أن ما قبل به على مضض في فترة الحريري، لن يرضى به مع ميقاتي، وهذه التسميّة بحد ذاتها تُعتبر رسالة شديدة اللهجة بأن الحزب عازم وحازم في مسألة تشكيل الحكومة ، وعلى عون وباسيل أن يبنيا خطواتهما ويدرسانها جيّداً تبعاً لهذه القاعدة من أجل الوصول إلى تسوية مع الرئيس المكلّف في أسرع وقت ممكن.
وتعتبر الأوساط أن تكليف الحزب لميقاتي، هو رسالة واضحة المعالم بأن الحزب مؤيد لميقاتي ليس فقط على قاعدة تأييده تشكيل الحكومة في المبدأ كما كان في فترة تكليف الرئيس الحريري، وإنما تطوّر موقفه لهذه الناحية بشكل كبير ليصل إلى درجة تسمية الرئيس ميقاتي وبالتالي القول للعهد، وتحديداً للرئيس عون: “زمن المناورات والتلاعب على حبال المفاوضات انتهى، وأتى زمن وضع حدّ للمماطلة والفراغ المتمادي الذي ينعكس علي سلباً داخل بيئتي وعلى وضعيّة الدولة التي أمسك بقرارها، وبالتالي يجب عليك أن تحسم موقفك سريعاً ولا خيارات أمامك سوى التفاهم مع هذا الرجل الذي أدعمه كما أدعمك، وفي حال لم تُقدم في هذا الإتجاه سيكون لنا موقف آخر لنبني على الشيء مقتضاه”.
لذا بناءً على كل ما تقدّم، نجد أن الكرة الآن في ملعب العهد، والرئيس ميقاتي، من المفترض، أنه على علم ودراية تامة بهذا الواقع، لذا من المنطقي أن يكون صلباً في عدم إعطاء العهد أياً من مطالبه المرفوضة من بيئة الرئيس المكلّف والتي عبّرت عن رفضها لها مراراً وتكراراً في فترة تكليف الرئيس الحريري، وهو الأمر الذي يضعنا اليوم أمام استنتاج وحيد، أنه من غير الممكن التكهن بما ستؤول إليه الأمور ، فالأيام القليلة المقبلة كفيلة أن تكشّف لنا بشكل واضح ما سيكون ردّ العهد، وخصوصاً الرئيس عون على رسالة الحزب، وما إذا كان سينصاع لها ويجد مخرجاً إعلامياً له يُغنيه عن خسارته لكل ما طالب به من مكاسب داخل الحكومة.
“ليبانون ديبايت” – بولس عيسى