م تكن تسمية رؤساء الحكومات السابقين للرئيس نجيب ميقاتي ليخلف الرئيس سعد الحريري، الذي حاول تشكيل الحكومة ولم تسعفه الظروف، مبنية من فراغ، بل جاءت نتيجة معرفة دقيقة وأكيدة لما يمكن أن يقوم به الرجل، وما يمكن أن يقدم عليه، وما يمكن أن يتخذه من خطوات. وهذا لا يعني أن الرئيس الحريري المعتذر لم يحاول القيام بما يجب القيام به، ولا يعني أيضًا أنه لم يُقدم ولم يتخذ الخطوات الضرورية لإنضاج تسوية حكومية، بحيث لا يموت فيها الذئب ولا يفنى الغنم.
مَن سمّى الرئيس ميقاتي ليخلف الحريري في هذه المهمة الصعبة، والتي يقول البعض عنها إنها مستحيلة، يعرف أن ليس بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وحتى بينه وبين ئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، علاقات ملتبسة، وأن لا شيء بينهم في الشخصي، بل قد يكون بينهم إختلاف في وجهات النظر، خصوصًا في ما يتعلق بتفسير الدستور وتطبيقه كما هو من دون إجتهادات خاطئة، ومن دون مزايدات في غير محلها.
الفرق بين الرئيسين ميقاتي والحريري أن ليس هناك من أمور شخصية عالقة بين الأول وفريق رئيس الجمهورية، فيما كانت العقبة الأساسية في مشوار التأليف بالنسبة إلى الثاني، أن لا الرئيس عون ولا النائب باسيل كانا يريدان أن يكون الحريري شريكًا لهما في السلطة في آخر عهدهما، وعشية الإنتخابات النيابية، التي ستحدّد نتائجها وإفرازاتها معالم المرحلة المقبلة، خصوصًا أن المجلس النيابي الذي سيتشكل في إنتخابات ربيع العام المقبل سيحدّد هوية رئيس الجمهورية المفترض أن يُنتخب في خريف العام نفسه بعد إنتهاء ولاية الرئيس عون.
الرئيس ميقاتي، قال عنه رئيس الجمهورية قبل تكليفه مهمة تشكيل الحكومة، إنه يعرف أن يدّور الزوايا، ويعرف أن يأخذ ويعطي، ونزيد أنه يعرف تمام المعرفة كيف تُدار الأمور، وكيف تُزان بميزان الجوهرجي، ويعرف أيضًا أن التوافق لا يعني التنازل عن الأساسيات، ويعرف أيضًا وأيضًا أن الشراكة الحقيقية تقوم على أسس ثابتة لا تخضع للمزاجية وهي غير قابلة للمساومة، لأن التفاهم على التفاصيل لا يعني التنازل عن العناوين العريضة، التي يجب أن تحكم أي عملية تفاوضية، مع ما يعنيه ذلك من أن الحكم في المسائل الخلافية، أي في الإختلاف بوجهات النظر، هو الدستور وليس أي أمر آخر. فطالما أن الدستور محترم من قبل الجميع فإن إمكانات التفاهم والتوافق تبقى قائمة. أمّا إذا أراد أحد، أيًّا يكن، تجاوز النصوص الدستورية لغايات في نفس يعقوب فإن كلامًا آخر سيسمعه الأقربون والأبعدون.
الكلام الجميل والمعسول وحده لا يكفي، وقد سبق أن سمع اللبنانيون مثله كثيرًا. المطلوب ترجمة عملية لمفاعيل الكلام الإيجابي، والمطلوب أيضًا أن تُحصر عملية التأليف بين رئيس الجمهورية وبين الرئيس المكّلف وحدهما دون سواهما، وهذا لا يعني عدم التشاور مع جميع الأفرقاء السياسيين المعنيين، وعدم الوقوف عند مطالب الناس.
فالحكومة الآتية، ويُعتقد أن تشكيلها سيكون سريعًا وفق المعطيات الأولية، ستكون حكومة الناس، حكومة الجائعين، حكومة الذين بدأوا يفقدون الأمل بوطنهم وبدولتهم والمسؤولين فيها، حكومة المقهورين والمظلومين، حكومة العدالة الإجتماعية، حكومة شهداء إنفجار المرفأ، وأخيرًا وليس آخرًا حكومة الأمل بغد جديد.