كتب علاء الخوري في “ليبانون فايلز”:
مرغماً، قَبِلَ الرئيس سعد الحريري السير بنجيب ميقاتي رئيساً مكلفاً لتأليف الحكومة، بعد أن سقطت ورقة تكليفه بفعل الضربات التي تلقاها الرجل من غالبية القوى السياسية، حتى تلك التي سمَّته أو حليفة له، وهو ما يؤكد عليه عند الحديث مع بعض المقربين من دائرة بيت الوسط، حيث يشير الى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وفي قلب المطبخ الداخلي لنادي رؤساء الحكومات السابقين. يتحدث الحريري عن خيانات بالجملة انتهت به الى رئيس لكتلة المستقل النيابية التي ما تزال حصانه الاخير على الحلبة السياسية، والتي يمكنه المفاوضة عبرها الى حين تمرير ما تبقى من أشهر حتى الانتخابات النيابية التي يتطلع اليها كفرصة أخيرة للفوز بمقاعد نيابية تُثَبته على الزعامة السنية المهتزة.
وصل الى مسامع الحريري قبل أشهر رغبة اوروبية بتقديم اعتذاره واخلاء الساحة للرئيس نجيب ميقاتي، الذي عمل بصمت على ترتيب يوم السادس والعشرين من تموز وأعد له الاخراج المناسب مع كل الكتل والقوى ليتمكن من خلاله من تأليف الحكومة مستنداً الى ضمانات عربية وغربية، ويعلم الحريري أن شخصية ميقاتي تسهل عليه التأليف، اذ أن الرجل قادر على استيعاب الاندفاعة الباسيلية وتخمة مطالبها، كما على ايجاد استراتيجية دفاعية يمكن عبرها تحصين حكومته من صواريخ حزب الله. انطلاقاً من هذا فهم الحريري أن مرحلة ميشال عون وجبران باسيل هي مرحلة اللاحريرية السياسية، وبالتالي فإن المساكنة مجدداً بين المدرستين صعبة جداً، بعد أن فرطت في ثورة 17 تشرين.
يؤكد الحريري أن بعض من كان في قصر بعبدا يوم اعلان اعتذاره من هناك شرب نخب انسحابه من التأليف، بل بحسب الرجل فإن هؤلاء قالوا ان ما حصل أكبر من اعتذار، فهو بداية نهاية الحريرية السياسية، وهذا الامر استفز رئيس تيار المستقبل الساعي الى ايجاد مخرج لأزماته الخارجية واعادة تفعيل حركته الداخلية في الاشهر المقبلة للعودة بقوة الى مجلس النواب، وهذا الامر بالنسبة اليه يواجه الكثير من الصعوبات. خصوصاً أن المعايير التي قد يسير بها خلال جولاته على المناطق لن تكون ذاتها في العام 2018، فموضة “السِلفِيّات” لم تعد دارجة هذه الايام ولا تقنع ابن طرابلس وعكار الذي وعده الحريري بآلاف فرص العمل واعمار عاصمة الشمال والحد من الفقر الذي يفتك بها، واذ ينتهي به المطاف بثورة جوع كبيرة في تلك المناطق التي فقدت أدنى مقومات الحياة، وبنقمة على كل الطبقة السياسية بمن فيها الحريري، الذي يتابع بشكل يومي الاحداث في الشمال ويسعى الى استيعاب الموقف والبحث عن منفذ للدخول مجدداً الى هناك لتهدئة الشارع، ولكنه لم ينجح حتى الآن، نظراً للإخفاقات الكبيرة التي مُني بها من جهة، وتعدد القوى الموجودة في المدينة من جهة أخرى.
وفي السياق، يبرز دور ميقاتي الماضي وفق المؤشرات بترشحه الى الانتخابات النيابية وبكتلة قد تمتد ايضاً الى عكار ولن تتوقف عند حدود طرابلس، الامر الذي يؤرّق الحريري ويرغمه على اعادة الحسابات في عملية التأليف مع الرئيس المكلف، وقد يُصَعّب عليه المهمة في حال وجد نفسه خارج اللعبة أو استفرد بها ميقاتي.
مخاوف الحريري لا تتوقف عند الملف الحكومي، بل ايضاً تنسحب على ملف انفجار المرفأ، ففي عهد القاضي صوان، وعند الحديث عن استدعاء الرئيس حسان دياب للاستماع اليه، سارع الرجل الى السراي الحكومي للوقوف الى جانب “مقام” رئاسة الحكومة، مستبقاً الخطوة بعد ورود معلومات عن امكانية الاستماع اليه في هذا الملف، وها هو اليوم يعيد الكَرَّة مع القاضي طارق البيطار، حيث صوب على التحقيق من زاوية “الاثمان” التي دفعها تيار “المستقبل” في السنوات الاخيرة للدفاع عن لبنان، بل استحضر ايضاً الحصانة الرئاسية بقوله: ” لَمَنْ في دستور بيقول أنو رئيس الجمهورية عليه حصانة وما بيتحاكم إذا أهمل، مش سعد الحريري يلِّي حط النص. ولَمَنْ في دستور بيقول: أنو رئيس الحكومة والوزراء بيتحاكموا إذا أخلّوا بواجباتن أمام المجلس الأعلى، مش سعد الحريري يلي حط النص”… وبعد ذكره المُحرَّم من الحصانات والمسموح به، دعا الحريري الى رفع كل الحصانات في التحقيق، وهذا موقف حاسم منه لناحية ربط التحقيق معه بالتحقيق مع رئيس الجمهورية، وهنا اضاف الرجل مرة جديدة الحُرم الطائفي ووضع فيتو على اي استدعاء قد يصدره القاضي بيطار يطاله أو يطال رؤساء حكومات سابقين.
بعد الاعتذار، قرر الحريري الابتعاد لفترة عن الساحة الداخلية والمكوث بعض الوقت الى جانب عائلته واستطلاع المشهد السياسي عن بعد، ليستأنف من بعدها حركته الى جانب تيار “المستقبل” والتحضير للاستحقاق الانتخابي.