كتب نادر حجاز في موقع mtv:
منذ عهد السلطنة العثمانية اشتهر في مدينة طرابلس شيخ عُرف بغزارة علمه، وقد أوكلت إليه مهمة التوقيت في الجامع الكبير والإشراف على ضبط مواقيت الصلوات في المدينة ودعوة الناس الى الصلاة، حتى صدر فرمان رسمي عن السلطان العثماني، وباتت عائلة هذا الشيخ تُعرف بالميقاتي.
مسؤولية كبيرة أن تحمل هذا اللقب في وطن يقيس أبناؤه أيامهم برغيف الخبز وكم يكفيهم راتبهم للبقاء أحياء لا أكثر، وكل يوم إضافي وسط هذا النزيف يعني المزيد من الألم والوجع والفقر والجوع والعتمة والمرض في بيوت اللبنانيين.
فأي ساعة لا يُضبط توقيتها على قياس مأساة الناس هي عقارب ستأخذ البلد الى خارج الزمن ولن تكون إلا وقتاً مستقطعاً إضافياً في جهنم. وأي ساعة لا تسير على نبض الناس هي حتماً خارج الزمن.
فالجميع في هذا البلد يتقن ألاعيب المناورات، يهوون قتل شعبهم ومن ثم الخروج بدور الحريص على إنقاذه، على اعتبار أن كلّاً منهم هو “أم الصبي”.
موعد جديد مع الاستعراض يوم الاثنين، وللمرة الثالثة في أقلّ من عام يتجّه النواب الى قصر بعبدا لاختيار رئيس قادر على تشكيل حكومة، بالمواصفات والمعايير نفسها التي حدّدها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد انفجار المرفأ واختيار السفير مصطفى أديب. فطار أديب، كما طار من بعده الرئيس سعد الحريري، وها هي “الثالثة”، على أمل أن تكون الثابتة.
تساؤلات كثيرة يطرحها اللبنانيون عمّا سيتغيّر هذه المرة، ولماذا سيتنازل الآن من عطّل التأليف مرتين في السابق؟ وأي مواصفات يحملها المرشح الثالث لم يكن يملكها من سبقه؟ واذا ما نجح التكليف الإثنين فمَن سيضمن التأليف سريعاً خارج توقيت “إذا مش الاثنين الخميس”؟
كل الحسابات لا تعني الناس، فهذه المرة تختلف عن كل سابقاتها، الجوع هو الحكم بين السياسيين والشعب، وربما المجتمع الدولي أيضاً، فإما أن تتشكّل حكومة بولادة قيصرية طارئة وإما الانهيار الكبير الذي سيكون من المستحيل توقّع تبعاته.
هذه السطور لمَن سيخرج من قصر بعبدا غداً مكلّفاً، والذي بات شبه مؤكد أنه الرئيس نجيب ميقاتي، الذي ستوكل إليه مواقيت ضبط انهيار البلد أو الارتطام الكبير.
فاللبنانيون سئموا كل الوعود ويحتاجون الى “ميقاتي” لا يكذب، كميقاتي الجامع الكبير صاحب المهمة الجليلة. فيا دولة الرئيس، لا تشارك في الجريمة اذا كان تكليفك تضييعاً جديداً للوقت وقتلاً جديد للبنانيين… ولا تنسى ساعة جدّك.