سئل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون: هل تظن أنّ تجربتك مع الرئيس نجيب ميقاتي ستكون ناجحة اذا تمّت تسميته؟
ردّ فوراً: “ولمَ لا؟ الرئيس ميقاتي يجيد تدوير الزوايا، وهو من النوع المتعاون الذي يأخذ ويعطي، وبالحوار الصادق نستطيع أن نعالج اكبر مشكلة. هو يقترب قليلاً وانا اقترب قليلاً، ويمكننا عندها ان نلتقي في المنطقة الوسطى، من غير أن نخالف الدستور والأعراف، خصوصاً انّ تشكيل الحكومة ليس اختراعاً للبارود، وهناك معايير وتوازنات واضحة يجب ان نستند اليها، وبمقدورنا ان نتوافق عليها بسهولة”.
هذا الكلام الجديد من نوعه يستبشر به البعض خيرًا. إنه كلام مغاير للكلام الذي إستبق به الرئيس عون الإستشارات النيابية الأخيرة في تشرين الأول الماضي عندما طلب من النواب تحكيم ضمائرهم وعدم تسمية الرئيس سعد الحريري.
القرار الذي دفع الرئيس المكّلف السابق إلى الإعتذار كان متّخذًا منذ اللحظة الأولى التي سمّي فيها الحريري. وهذا القرار تُرجم من خلال المناكفات التي مارسها رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل طوال تسعة أشهر ونيّف، خصوصًا أن الذين يعرفون الرجل يطلقون عليه ألقابًا مستعارة من مسرحيات الأخوين الرحباني، اللذين أجادا رسم صور واقعية عن الأشخاص الذين تختلف أسماؤهم من مسرحية لأخرى فيما المضمون هو ذاته، ويتلخّص بتجسيد شخصية “الحرتقجي” و”المشاكس” و”المخرّب” و”كاسر مزراب العين” و”واضع العصي في الدواليب” والمتقن للعبة “الفركشة”.
قبل يومين من الإستشارات الملزمة تقصّد رئيس الجمهورية إيصال رسائل إلى الرئيس ميقاتي، الذي يعرفه جيدًا، ويعرف أيضًا الشروط المنطقية التي يضعها لكي يقبل بهذه المهمّة، والتي تتطلب في الظرف المصيري الذي يمرّ به الوطن مناكب عريضة، لأن التحدّيات كثيرة، ولأن الذين لا يريدون قيامة للوطن لا يزالون يتربصون به شرًّا، ويضمرون له نوايا سيئة، وهم المستفيدون من الفوضى لتبرير بقائهم خارج منظومة الشرعية.
صحيح أن الرئيس ميقاتي يجيد تدوير الزوايا، وصحيح أنه من النوع المتعاون الذي يأخذ ويعطي، وصحيح أنه سبق له أن توّلى مسؤولية الرئاسة الثالثة لمرتين، وكانت تجربته في المرتّين ناجحة بإعتراف الجميع، وصحيح أن الرجل، الذي إعتمد الوسطية نهجًا في حياته السياسية، هو على مسافة واحدة من الجميع بقدر ما يكون هؤلاء على المسافة نفسها من مصلحة الوطن دون سواها.
ولكن ما هو صحيح أيضًا أن الرجل، “الذي يجيد تدوير الزوايا”، و”الذي هو من النوع الذي يأخذ ويعطي”، له ثوابته التي لا يحيد عنها أيًّا تكن المغريات والضغوطات، وله مواقفه الراسخة التي لا تقبل المساومة وأنصاف الحلول، وله وقفاته الوطنية الجامعة والموحدّة، وهو المؤمن حتى العظم بصيغة العيش المشترك بين جميع مكونات الوطن تحت سقف إتفاق الطائف ومندرجاته، وتحت سقف وجوب إحترام الدستور وعدم الإجتهاد لغايات معروفة الأهداف، والتي تحاول تحوير النصوص الدستورية بما يتوافق مع هذه الغايات التي لا تصبّ في خانة المصلحة الوطنية.
الرئيس ميقاتي كما قال عنه الرئيس عون هو رجل مبادىء، وهو السهل الممتنع. وإذا كانت نوايا رئيس الجمهورية كما وردت في حديثه ،فإنه يمكن القول أن التأليف سيكون سهلًا كالتكليف إلاّ إذا…
وهذه الـ”إلاّ إذا” تحمل الكثير من المعاني. وأول معانيها إمتناع “التيار الوطني الحر” عن تسمية الرئيس ميقاتي والإتجاه إلى تسمية السفير نواف سلام، على رغم معرفة النائب باسيل أن هذه التسمية “ستخربط” علاقته بـ “حزب الله”. فإذا كان الرئيس عون جادّا في ما قاله عن إمكانية “أن نلتقي (مع الرئيس ميقاتي) في المنطقة الوسطى، من غير أن نخالف الدستور والأعراف، خصوصاً انّ تشكيل الحكومة ليس اختراعاً للبارود، وهناك معايير وتوازنات واضحة يجب ان نستند اليها، وبمقدورنا ان نتوافق عليها بسهولة”، فمن أولى المعروف أن يمون على صهره لإعادة النظر بموقفه، ولاحقًا بعدم التلويح بورقة عدم إعطاء الثقة كشرط إفتراضي لفرض ما يريده من شروط أخرى كـ”وحدة المعايير” و”حقوق المسيحيين”.
فهل يفعل؟ أم أن كلام “الجمهورية” يمحوه كلام “غرف الليل”؟
فالرئيس ميقاتي، الذي تحمّل المسؤولية في اصعب الظروف، ولا يزال، على أتمّ الإستعداد للقبول بـ”المهمة الصعبة” إذا توافرت لدى جميع الأطراف الإرادة الطيبة للإنقاذ، وذلك من خلال عمل جدّي وإستثنائي يكون في مستوى دقة المرحلة وخطورتها.
أمّا إذا لم يلاق الإستعداد الكافي من قبل الجميع من دون إستثناء فإن لكل حادث حديث.
المصدر : اندريه قصاص- لبنان24