وجد “التيّار الوطني الحرّ” أن مشاورات ما قبل الإستشارات الملزمة في قصر بعبدا والتي رست مبدئياً و بدرجة كبيرة على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي لتأليف الحكومة الجديدة، تمّت من خارج التنسيق معه ولم يتمتع بأي دور بـ”التخريجة” التي يجري تركيبها الآن أو يتم إطلاعه عليها.. وعملاً بمفهوم النكاية السياسية، ولكون مسألة “التكليف” من وجهة نظر البعض أضحت “مسألة إسلامية صرف”، ركن “التيار” إلى إحتمال تسمية نواف سلام.
بهذا المعنى، سيحل نهار الإثنين على الإستشارات بمنطق “نزع” التسمية المسيحية بثقلها المعنوي – العددي الذي تؤمنه الكتل المسيحية الوازنة عن رئيس الحكومة المكلف، المفترض أنه ميقاتي، مسألة يجدها البعض بمثابة “فرملة” ليس لتكليف ميقاتي فقط إنما الإستشارات بأسرها.. وعملاً بمبدأ البحث عن التوافق وعدم تعرية الرئيس السُني مسيحياً، قد يصار إلى تأجيل الإستشارات إلى وقتٍ قصير، وهي فرضية مفتوحة على مصراعيها بل ومرجّحة بحسب الظروف.
الثابت الآن، أن “القوات اللبنانية” ستجنح صوب “لا تسمية”. النقاشات التي تخللتها جلسة “تكتل الجمهورية القوية” أمس كرّست التباين بين أعضاء التكتل. تجزم المصادر أن الجلسة كانت عاصفة، والخيارات كانت متقابلة بين تسمية “نواف سلام” أو لا تسمية. وهنا يُجسّد أن ميقاتي ليس في حسابات معراب إطلاقاً، وهو ما سيزيد من قضية “المحاصرة المسيحية للرئيس السني”.
ميقاتي بدوره، ينظر باهتمام إلى مسألة نزع التغطية المسيحية عنه. القضية تتجاوز التفاصيل الشخصية. في حالة تكليف مماثلة، يجب أن يطّلع الطرف المسيحي بدور، يتجاوز التغطية بمعناها التقنية – التقليدي وتطال حد المشاركة في التسمية، الضرورية في مرحلة مصيرية يشهدها لبنان. وميقاتي الخارج من رحم “الرباعي السني” والمتمتع بضوء أخضر فرنسي وتوافق شيعي داخلي وسني عام وإلى حدٍ ما درزي مريح، لا يبحث في مستهل مشوار الخوض في مسار وقف الإنهيار، عن إحداث طلاق مع مكون أساسي قد تنعكس نتائجه على المسار برمته عندما يُنجز التكليف. بهذا المعنى، قد يجد ميقاتي أنه ومن الضروري على “المشتغلين” على خط إعادة تنصيبه رئيساً ثالثاً أن يخوضوا المناقشات مع “التيار”، ضمن السقف السياسي – المنطقي ومن خارج أي شروط أو إملاء.
وميقاتي، بوضعيته الحالية المقبلة على التكليف، مسؤول بدوره أمام الحشد السني الذي سيمنحه ثقة بعلامة كاملة، سياسياً وروحياً، وعليه واجب الإلتزام في الإقلاع عن التعيينات السنية في المواقع الوزارية على النحو الذي انتهجه سابقاً على شكل الإتيان بشخصيات جامدة لا دور حضوري لها إلا في رفع الإصبع. على ميقاتي أساساً التخلي عن الحساسية من وجود “من يفكر” حوله و الإقلاع عن عقدة “المزهريات”. المطلوب منه في حال رسا برّ التكليف عليه، خلق تركيبة وزارية دينامية تراعي متطلبات الشارع ومن ضمنه شارع طائفته، وتجاوز مرحلة تسميات حقبة الإنتخابات التي لا يتذكر منها المرء أي إسم وأي شيء، والأهم أن لا يكون ميقاتي آتياً على ظهر تفاهمات وتوافقات تجعله حبيسها أو حبيس اللحظة السياسية.
عودة على بدء، ثمة من يحضّر لإخلاء الساحة لميقاتي وحده في الإستشارات على قاعدة عدم خلق “تنافس أحادي” بين شخصيتين سنيتين تنتميان تقريباً إلى نفس الخط السياسي. من تواصل مع السفير نواف سلام نقل عنه أنه “ليس متشردقاً بموقع رئاسة الحكومة وأنه لم يعلن أنه مرشح”. بغض النظر عن حقيقة ذلك من عدمه، هنا يجدر سؤال “التيار الوطني” قبل غيره، هل يعي أن الدافش صوب تسمية سلام، الموقع الذي يضع نفسه فيه حين يقدم على تسمية رجل يناصبه الخصومة ويُعلن في سره وعلنه أن “التيار” مسؤول عن الإنهيار وعضو في تركيبة الدولة المطلوب رحيلها ولن يقبل رئاسةً تأتي منه؟
مشكلة “التيار” أو قيادته، أنها عالقة في منطق التفكير على قياس “الزاروب”، تفكير أولاد الأحياء حيث يحل منطق النكاية مكان العقل. كان يفترض، وقبل أن يجنح “التيار” صوب خيار نواف سلام مبدئياً، أن يفكر بمدى السوء الذي قد يتسبب به لحليفه، الذي يبحث الآن عن وسيلة لتوسيع مروحة المشاورات حول المكلف الجديد وضم “التيار” إليها.
المصدر : “ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح