كتب وجدي العريضي في “النهار”:
تعيش الساحة الداخلية لحظات حرجة بين التكليف والسؤال هل من سيُكلَّف سيؤلّف؟ وبالتالي ما الذي تغيّر حتى يقبل البعض بالسفير نواف سلام بعدما رفضوه بشدة أو يعود الرئيس نجيب ميقاتي؟ بمعنى لماذا اعتذر الرئيس سعد الحريري؟
إذ يضج البلد بكم من التحليلات والتساؤلات على اعتبار أنّ كل ذلك سبّب خسائر فادحة في الاقتصاد وعلى إيقاع جوع الناس ومعاناتهم، في حين أنّ ما يحصل اليوم وفق بعض الجهات السياسية المخضرمة إنّما يشبه إلى حدّ بعيد حقبة الثمانينات وبداية التسعينات، فهل تعود الحكومتان أي حكومة العماد ميشال عون يوم كان رئيساً للحكومة العسكرية وحكومة الرئيس سليم الحص ولو بأشكال مختلفة؟ لا سيما وأنّ البعض بدأ يتحدث منذ اليوم عن فراغ دستوري في رئاسة الجمهورية وصعوبة إجراء انتخابات نيابية إلا في حال كانت هناك ضغوط حقيقية من المجتمع الدولي وتبدلت الظروف.
في السياق، تكشف مصادر سياسية عليمة لـ”النهار”، أنّ ما حرّك المياه الراكدة هي الضغوط الأميركية والفرنسية، وسبق لـ”النهار” أن نقلت كلاماً للسفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو عندما قالت أمام رئيس الجمهورية ميشال عون في خلال لقائها إياه، يفوق بكثير ما قالته في السرايا أمام رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وبعض الوزراء، وصولاً إلى إشارات أميركية أيضاً حملت تأنيباً وتهديداً للمسؤولين اللبنانيين بفرض عقوبات صارمة، وإلا يجب تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، لأنّ كل المعلومات تقاطعت من واشنطن إلى باريس والمجتمع الدولي بأسره حول أنّ لبنان سيشهد اضطرابات وفوضى مع مواصلة الانهيار الاقتصادي والمعيشي بشكل مخيف. وبناءً عليه تفاعلت الاتصالات من قبل الأميركيين والفرنسيين والقاهرة وبالتشاور والتنسيق مع الرياض من أجل إنقاذه قبل فوات الأوان، في وقت عُلم أنّ أحد السفراء الغربيين كشف لنائب مستقيل أنّ معظم القيادات السياسية والحزبية أُبلغت بضرورة اختيار شخصية سنية تُكلَّف بتشكيل الحكومة ويجري تداول ثلاثة أسماء وهؤلاء يحظون بدعم الدول المعنية بالملف اللبناني، على أن يكون هناك ضمانات للتأليف ودعمهم ومساعدتهم بعد تكليف أحدهم، ولهذه الغاية تحددت الاستشارات وتحرّكت القوى السياسية واجتمعت الكتل النيابية لأنّه لم يعد في وسع أحد منهم أن يناور بعدما وصلت الأمور إلى حدّ زوال لبنان، وإن كانت كل الاحتمالات ما زالت واردة ربطاً بمخاوف أمنية، وصولاً إلى ما يجري في المنطقة من تطورات ميدانية دراماتيكية. لهذه الغاية وقبل أن تستفحل الأمور في الإقليم ويتحول لبنان إلى صندوق بريد وربما أكثر من ذلك، فإنّ باريس وواشنطن أخذتا في الاعتبار امتداد نيران حروب المنطقة وتطوراتها إلى الحدود اللبنانية – السورية وصولاً إلى الجنوب وقصف العمق اللبناني، وعندئذٍ وفي ظل الانهيار الاقتصادي والمالي قد تحدث اهتزازات أمنية ويفلت الشارع وتتحول الساحة اللبنانية إلى فوضى غير مسبوقة، دون إغفال عامل النازحين السوريين وفصائل وتنظيمات متعددة الأشكال والألوان موجودة في المخيمات الفلسطينية وبعض مناطق الساحل والشمال، وعندها لا يمكن للقوى الأمنية الشرعية، وهي التي تعاني بدورها حياتياً واقتصادياً، أن تتصدى لمثل هذه التطورات والأحداث والأزمات.
من هذا المنطلق، تعتقد المصادر أنّ التكليف سيحصل بداية الأسبوع، وهناك اسمان هما الأكثر تداولاً، وكلمة المرور ربما تتبلور في الساعات المقبلة لحسم الاختيار، ويبقى مخاض التأليف هو الأساس والقلق ينتاب الجميع من أن يكون هناك رئيس مكلف يبقى إلى نهاية العهد أو تستمر حكومة تصريف الأعمال ومعها المجلس الأعلى للدفاع ويتحول لبنان إلى ظاهرة عبر خلطة من حكومتين ورئيس مكلف، هذا إذا لم يتمكن من التأليف، إنّما الأجواء تشي بضغوط قد لا تؤخّر التشكيل إذا سارت الأمور على ما يرام، بينما يبقى عامل المنطقة بعد الاشتباك الجوي الإسرائيلي – السوري في سماء لبنان مدارَ مخاوف المتابعين لمسار الوضع الإقليمي، دون إغفال المعطيات التي أشارت بعد توالي أحداث العراق عبر الرسائل الإيرانية لواشنطن من خلال قصف الحشد الشعبي لقواعد أميركية، إلى أنّ هذه التطورات سيرتفع منسوبها، وصولاً إلى تصعيد إسرائيلي غير مسبوق وقد يتخطى النطاق الجغرافي المتعارف عليه، في إطار ردّ واشنطن على رسائل طهران من العراق إلى اليمن، ناهيك بما يحصل في أفغانستان. فكل هذه النزاعات والأعمال الميدانية المتنقلة ربما تترك تداعياتها على الداخل اللبناني بفعل دور “حزب الله” الحليف الاستراتيجي والأيديولوجي لإيران، وعندئذٍ تتبدل قواعد اللعبة في السياسة والأمن والاقتصاد، ومن الطبيعي الوضع الحكومي الذي سيصاب بأضرار جسيمة إذا حدثت هذه المستجدات.