كتب رضوان عقيل في “النهار”:
تشير أكثر المعطيات والاتّصالات السياسية بين الأفرقاء أن الرئيس نجيب ميقاتي الأوفر حظاً الى الآن في تسميته لرئاسة الحكومة في الاستشارات النيابية الملزمة في بعبدا الإثنين المقبل ومن دون حسم نهائي بعد لاسم الرجل أو سواه الذي سيحل في السرايا الحكومية، في وقت ينتظر فيه الجميع في الداخل والخارج ولادة الحكومة التي طال انتظارها.
وفي لحظة ما قبل الاستشارات ثمة “كلمة سر” سرت بين المعنيين بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري تحمل اسم ميقاتي الذي يحظى بقبول عند أكثر من فريق محلي. ومن يعرف طبيعته فهو يريد الغوص في لعبة التحدي المدروس لكن من دون أي تهور حيث لا يقدم على مثل هذه الخطوة من دون أن تكون مدروسة مئة في المئة وعدم اغفاله مجموعة من العناصر التي لا يحيد عنها في رحلته الثالثة إلى رئاسة السلطة التنفيذية في وقت يتجه فيه البلد إلى المزيد من التخبط والانهيارات على أكثر من مستوى.
وإذا رست الاتّصالات المفتوحة على ميقاتي فإنّه لا يريد الاستفاضة والتأخير في عملية التكليف بعد تسميته ويريد ولادة حكومة سريعة لا تتجاوز أكثر من عشرة أيّام. ولا يحبذ بالطبع الدخول في بازار الحصص من هنا وهناك مع رفضة المطلق لامتلاك أي فريق الثلث المعطل زائد تركيزه على حكومة فريق من الاختصاصيين.
وعند توفر كلّ هذه الشروط والمعطيات يقول ميقاتي إنّه “مستعد لتحمل هذه المهمة”. ويعكس لسان حاله بأنّه لن يتردّد في الدخول وتحمل مسؤولياته في انقاذ البلد وعدم تفويته هذه الفرصة اذا توفرت النيات مع اشتراطه عدم وجود الموانع التي تعرّض لها الرئيس سعد الحريري أثناء فترة تكليفه ولا سيّما أن البلد لا يتحمل خسارة كلّ هذا الوقت وهدره. مع تشديده على احترام قواعد الدستور ورفضة للقفز فوق أيّ صلاحيات. واذا لم تتأمن كل هذه العناصر سيخرج ويقول لمن يدعمه بأنّه لا يقبل بهذه المهمة ولا سيّما أنّ لبنان لم يعد يتحمل الاستمرار في تحويله حقلاً للتجارب.
ومن نقاط ميقاتي التي يعمل على توفرها ليقبل برئاسة الحكومة هي إرساء مجموعة من العناصر تكون الأساس لخريطة طريقه الحكومية:
-لا يريد أن يتسبب أولاً في أي مشكلة داخل الطائفة السنية وأن يكون الحريري المعبر الأول والمؤيّد له ولم يبد زعيم تيار المستقبل” أي اعتراض على ميقاتي الذي يفضلة على سلة من الأسماء الاخرى المطروحة من البرلمان وخارجه. ولا مشكلة عند ابن طرابلس في الحصول على المظلة التي توفرها له دار الفتوى ولا تمنحها بسهولة لاسم يخرج عن إرادتها.
– لم تنقطع علاقاته مع الرئيس ميشال عون ولم تصل إلى حدود القطيعة في لحظة التوتر المفتوحة في الأشهر الاخيرة بين العونيين و”تيار المستقبل”. ويعرف النائب جبران باسيل هذه المرة سلفاً أنّه غير قادر على استعمال الأسلوب نفسه مع ميقاتي الذي استعمله في وجه الحريري وأدّى به إلى الاعتذار. وأن من مصلحة العونيين أن يسهلوا مهمة ميقاتي ولا سيّما في السنة الأخيرة من العهد على أمل التوصل إلى تحقيق جملة من المشاريع الإيجابية في نهاية هذه الولاية. وعلى الرغم من هذا المناخ لن يكون تعاطي عون مع ميقاتي معبدة بالورود. ولا أحد يقلل من موقع رئيس الجمهورية الذي يبقى يملك في يده المفتاح النهائي للإفراج عن ولادة الحكومة. ويعرف عون جيّداً طبيعة ميقاتي وأسلوبه عن ظهر قلب وهو لن يتنازل بالطبع عن أقل من تلك الشروط التي عمل الحريري على تثبيتها. وليس من المبالغة القول إنّه متشدّد في الحفاظ على صلاحية أيّ مؤسّسة وعدم النيل من صلاحيات الأخرى.
– ينطلق من علاقته الممتازة مع الرئيس نبيه بري الداعم له ولا سيّما بعد تجربة طويلة جمعتهما في أكثر من مفصل.
– لا يعترض”حزب الله” على تسمية ميقاتي بالطبع، ولا سيّما أنّه آت من صلب مكونه السني ولا اعتراض عليه وثمة رسائل متبادلة بين الطرفين. ويريد الحزب هنا التفاهم على آليات الحكومة. ويعتبر هذا الأمر من أساسيات التأليف. ويعرف ميقاتي جيّداً موقع الحزب وأهميته في إرساء الدعائم المطلوبة للحكومة. ويرفض ثنائي الحزب و”أمل” حكومة اللون الواحد التي فشلت بقيادة الرئيس حسان دياب ومن دون التقليل من الامتحانات الخطرة التي تعرضت لها. ولا يتحمل دياب هذه المسؤولية لوحده.
– واذا كان زعيم “تيار العزم” قد أعد الأرضية المطلوبة له في الداخل ألّا أنّه كان قد بدأ في الخارج في تعبيد الطريق المؤدّية لوصوله إلى السرايا وأن بقي إلى آخر لحظة يدعم الحريري إلى أنّ اختار الأخير الاعتذار.
على صعيد علاقات ميقاتي مع الدول الغربية فهي متوفرة ولا سيّما مع الفرنسيين الذين لا يعترضون على رئاسته الحكومة. ويحظى أيضاً بدعم خليجي ومصري وصولا ً إلى الأردن التي حذّر ملكها عبدالله الثاني من أميركا بعد اجتماعه مع الرئيس جو بايدن من انهيار لبنان. واذا كانت القاهرة تفضل الحريري لرئاسة الحكومة فلا تعترض على ميقاتي الذي تربطه علاقة لا بأس بها مع السعودية.
وما يريده منها والدول الخليجية الأخرى أن لا يصل لبنان إلى مرحلة الارتطام الكبير حتى لو لم تكن حكومته انقاذية بالمعنى الكامل للكلمة، إلّا أن المطلوب منها أن تقدر على وقف مسلسل هذه الانهيارات على أمل أن تساعد الاتّصالات الجارية الغربية وغيرها في دفع الرياض إلى قيامها بمقاربة جديدة حيال لبنان ولا سيّما لم تستو فيه الملفات في المنطقة من اليمن إلى المفاوضات النووية في فيينا مع تواصل المساعي المبذولة لمنع حصول الانفجار الكبير في لبنان مع بروز ادراك غربي لمنع الانفجار الكبير في الداخل الذي يتحضر للذكرى الاولى لتفجير 4 آب وما جره من تطورات في ظلّ تداعياته لن تتوقف عند حدود الداخل بل ستكون له ارتدادات في أكثر من مكان على وقع لعبة عض الأصابع السياسية والعسكرية المفتوحة في الإقليم.
وهذا ما تمّ بحثه في بالتفصيل في الاجتماع الثلاثي في روما بين وزراء خارجية فرنسا وأميركا والسعودية وتشكيلهم لجنة متابعة تمّ التوصل إليها عبر السفيرتين دورثي شيا وآن غريو. وشكل هذا التطور بداية تحول في عدم اندفاعة البلد نحو انهيارات اكبر ومن هنا يتم التعويل على علاقات ميقاتي مع المؤسّسات الدولية للاستفادة منها في إمكانية وقوف البلد على قدميه المتعبتين في الأصل.