بعيداً عن أزمة المحروقات وفقدان البنزين و “عطش” المحركات لـ”ليتر مازوت” غَرق في خزانات تجار الغفلة، يحط رئيس الحكومة الاسبق نجيب ميقاتي رقماً صعباً على طاولة إستشارات بعبدا لاختيار رئيس مكلف جديد. يسجّل ميقاتي سابقة بإسمه، إذ أنها المرّة الثانية التي يتقرّر فيها إسم رئيس الحكومة المكلف من خارج شور بعبدا وعبر الإعلام.
عملياً، تكرّست مفاعيل اختيار رئيس الحكومة بالمشاورات لا الإستشارات. يصبح هنا دور الإستشارات التي دعت إليها بعبدا رسمياً الاثنين المقبل لزوم ما لا يلزم، أو إذا أحسن الحديث، لزوم تمرير الواجب الدستوري ليس إلاّ، وهي معضلة دستورية يجب التوقف عندها.
وعملاً بموجبات المشاورات التي بدأت أساساً من جهة الغرب وسريان مفاعيل البيانات الأوروبية والفرنسية والأميركية تحت عنوان الحث على إنتاج بديل سريع عن الحريري وتأليف حكومة، وانتقالها إلى الداخل “كخلايا نشطة” في ظل الحراك الصامت ، الذي بدأ بين عين التينة و بيت الوسط ثم انتقل إلى اليونان حيث يمكث “المختار” ميقاتي و”قبط الباط” من جانب “حزب الله”، إنفاذاً لاجتهادة سياسية مصدرها عين التينة، نكون الإثنين أمام تكليف رئيس جديد للحكومة قد يتمتع بـ”سكور جيد”. ولغايته لم يحظ بمباركة “العهد” مبدئياً الذي سيكرّس الفوز بالتكتيك والخسارة بالاستراتيجيا، ولا الكتل المسيحية الوازنة كالتيار والقوات، وهذه سابقة تضاف إلى “رزمة السوابق” التي ستطبع نسخة التأليف هذه. لكنه و بخلاف المرات السابقة ، لن يقف “العهد” حجر عثرة سيما بعدما لمس مقدار الضغط الدولي وما يمكن أن يرتّبه من نتائج على الصعيد الداخلي.
وفي التنقيب في “فجوات” المرحلة الماضية التي أحدثها الحريري عند اعتذاره، يتبيّن أن الحزب الممثل للركن الأساس في المنظومة الحالية ضمن مجلس النواب، رسا على خيار رفض العودة إلى حكومات اللون الواحد أو تبنّي أي مرشح يحمل “بروفايل” حسان دياب بالمعنى السياسي، وهذا ينطبق ليس فقط على النائب فيصل كرامي -المدرج على قائمة “إستشارات بعبدا” كما تؤكد مصادر- بصفته حليفاً إنما نواف سلام بصفته مرشحاً مفترضاً وتنطبق عليه صفة “غير المجتهد في السياسة” أو الجاهل في الداخل وزاوريبه. وتحت شعار المفاضلة، ركن الحزب في قراءته إلى نجيب ميقاتي مجدداً كـ”أفضل الممكن”، عملاً بمبدأ النصح السياسي الوارد من عين التينة الحائزة على بركة قبول الحريري المشاركة في التسمية في عودة عن حرد إكراماً لبري ودوره، وفي وضعنا الراهن، لا يجوز إيكال مهمة كرسي الرئاسة الثالثة إلاّ إلى خيار سني متوافق عليه سياسياً وروحياً، انجلى ذلك خلال الساعات الماضية وقد تتضح صورته حين يغدو ميقاتي مكلفاً بشكل رسمي الاثنين إن سارت الأمور وفق ما هو مخطّط، على أن يكون أول نشاط سياسي له بعد التكليف زيارة دار الفتوى ومن ثم الاجتماع مع “الرباعي السني” المتمثل إلى جانبه بـ”الحريري – سلام – السنيورة”.
وتماماً كالسابقة الاولى، استبق الحديث الحالي نتائج الإستشارات الملزمة بل وحتى غير الملزمة وبدا أن الأكثر أهمية منحصر اليوم في مهلة التكليف “الورقية” وطبيعة “التخريجة” التي سيحملها ميقاتي. ومن الثوابت التي يمكن تسجيلها هنا، أن ميقاتي لن يجرّ بجريرة الحريري بمعنى مكوثه مكلفاً طيلة 9 أشهر، إنما عملياً ينطلق من سقف مرسوم، فرنسي، يقول بضرورة تفضيل التأليف ضمن هامش إحياء ذكرى 4 آب أو بما يتجاوزها بالقليل المسموح، ولهذا نكون أمام مهلة تأليف مفترضة قيّد ميقاتي نفسه بها منذ أن وافق على قبول طرح اسمه ومقدارها ما يقارب الشهر بعد إنجاز التكليف الورقي ، تمثل سابقة بدورها أيضاً في تاريخ تأليف الحكومات بعد الطائف وتنطوي على تعديل ظرفي – آني ولمرة واحدة بالممارسة يطمح إليه عون!
الفريضة أعلاه يمكن تطبيقها على الصيغة. فصحيح أن ميقاتي جعل من السقف السياسي الذي وضعه الحريري سقفاً لتحركه، لكن الصحيح أكثر أن رئيس تيار “العزم” وبخلاف رئيس تيار “المستقبل”، متحرّر أكثر من الاعتبارات الإقليمية والشروط الداخلية رغم أن بعض العليمين بمروحة ميقاتي ، يتخوفون من “إسقاط الحرم السياسي السعودي على العزم”. تأسيساً على ذلك، قد يجد ميقاتي أن مقتضيات المرحلة تُجيز له “اللاعب في التكتيكات” نحو إعادة استنهاض طرحه السابق الذي تقدم به في ذروة “المطاحنة” السياسية العونية – المستقبلية، والقائم على تأليف حكومة تكنو-سياسية من 20 وزيراً مقسمة بين 14 وزيراً من ذوات الدم الاختصاصي و6 وزراء دولة سياسيين يتمتعون بصفة “مراقب” على طاولة المجلس. إقتراح، ينمو اعتقاد على أنه السبب الأساس الذي أدى إلى ترشيح ميقاتي، لنكون أمام سابقة ثالثة تضاف إلى السابقتين الأولى والثانية: تكليف ومهلة للتأليف وتأليف قبل الإستشارات عبر صيغة ناجزة.
وعملاً بهذا الاعتقاد، نكون أقرب إلى جواز وجود “شبه تسوية” أدارت دفة التكليف مجدداً، عُقدت “إفتراضياً” بين الغرب الساعي إلى حكومة اختصاصيين والأكثرية الداخلية التي يهمها وجود سياسيين “مراقبين ونظار” لأداء “الصف الإختصاصي”. ومن جملة الأمور التي تدفع إلى الظن بوجود دفع نحو “فرملة” أو “الحد” من درجة الإنهيار الحاصل تمكيناً من بلوغ مرحلة الإنتخابات دون أضرار موضوعية، بلوغ الدولار سقفاً رقمياً قد يهدد بانفجار الدولة اللبنانية على مقربة من الإنتخابات ما قد يطيح ليس فقط بالاستحقاق إنما بالدولة اللبنانية وفق شكلها الراهن.
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح