الضبابية تسيطر على كامل المشهد التربوي وسط تسارع الأزمات الاقتصادية، التي تبدأ بمشاكل الأساتذة والتنقّل من وإلى المدارس في ظل غلاء البنزين، ولا تنتهي بالهاجس الذي يعيشه أهالي الطلاب من حجم “كارثة” شراء الكتب المدرسيّة والقرطاسيّة.
لم يعد الوقت متاحاً اليوم للتراخي في العمل على إيجاد حلول سريعة لكل الأزمات التي تنتظر قطاع التعليم. فالعام الدراسي 2021 – 2022 أصبح على الأبواب، وعادة ما كانت المدارس وأفراد الأسرة التعليمية وحتى أهالي الطلاب يتحضّرون للعام الجديد في مثل هذا الوقت.
لكنّ هذا العام، لا تحضيرات، والضبابية تسيطر على كامل المشهد وسط تسارع الأزمات الاقتصادية، التي تبدأ بمشاكل الأساتذة والتنقّل من وإلى المدارس في ظل غلاء البنزين، ولا تنتهي بالهاجس الذي يعيشه أهالي الطلاب من حجم “كارثة” شراء الكتب المدرسيّة والقرطاسيّة، لاسيما في المدارس الخاصة، بعدما لامس سعر صرف الدولار الواحد الـ 23 ألف ليرة لبنانية.
لهذا تعيش كامل الأسرة التعليمية ولجان الأهل، حتى الساعة، حالة من الضياع، بانتظار المعنيين والقرارات التي يمكن اتّخاذها للتخفيف من وطأة العبء المالي الذي سيُرخيه الغلاء الفاحش على كاهل الأهل لتأمين مستلزمات أولادهم.
وفي عملية البحث عن الطريق الذي تسلكه المساعي الجارية لتحديد أسعار الكتب وال#قرطاسية أو البدائل عنها، تشير معلومات “النهار” إلى أنّ الجهة المسؤولة عن تسعير الكتب المدرسيّة للمدارس الخاصّة هي وزارة الاقتصاد، فيما تتولّى وزارة التربية والتعليم العالي كل ما يتعلّق بكتب المدارس الرسميّة.
وعليه، لفتت مصادر وزارة الاقتصاد لـ “النهار” إلى أنّ لا قرار رسمياً حتى اليوم بشأن آلية التسعير أو الحلول، معلنةً عن اجتماع وتحضيرات ستُجريها الوزارة هذا الأسبوع متعلّقة بهذا الشأن.
وتشير المعلومات، في هذا الصدد، إلى أنّ كل الحلول مطروحة ومنها محاولة الحصول على قرض من البنك الدولي لدعم الكتب والقرطاسية، أو الاتفاق مع المصرف المركزي لتأمين ما قد يسمّى بـ “الدولار الكتابي” على سعر صرف المصارف أي ما يعادل 3900 ليرة لبنانية، بهدف لجم الارتفاع الجنوني الذي سيلحق بالأسعار من دون دعم.
من جهتها، كشفت المصادر عن محادثات تجري بين وزارة التربية ومنظمة الأمم المتحدة للأطفال “اليونيسيف”، لوضع آليّة أسعار الكتب التي ستُطبع بتمويلٍ من المنظمة وتُوزّع على مختلف المدارس الرسميّة في لبنان، والإتفاق شبه منجز. هنا لا بد من الإشارة إلى أنّه في العام المنصرم، إتّبعت وزارة التربية الآلية نفسها بالتعاون مع “اليونيسيف”، حيث قدّمت الكتب إلى طلاب المدارس الرسميّة مجاناً.
هذا في الشكل، أما في الكواليس، فكيف هو حال الأهالي؟ وما هي المساعي التي تقوم بها المدارس؟
الأكيد أمام كل هذا المشهد، أنّ الأهالي أكثر من يعاني نتيجة حالة الضياع التي يعيشونها هم وأولادهم لجهة مصير العام الدراسي، فهل سيذهب أولادهم إلى المدارس أم سيبدأ العام الدراسي كما انتهى الذي قبله على طريقة الـ “أونلاين”.
فهؤلاء الأهالي فقدوا الأمل يكل شيء، يحملون همّ أولادهم ومستقبلهم، ويعبّرون عن سخطهم أمام كل هذا التراخي من قبل المعنيين.
ماري تيريز بو عاصي، والدة لطالبين في مدرسة الأنطونية، تعيش القلق نفسه، فهي حتى الآن لم تحصل على جواب حول كل تلك التساؤلات بشأن الكتب والأسعار.
تقول ماري : “حتى الآن لا شيء واضح، حالة من الفوضى والضياع حتى لدى إدارة المدارس، فيما الدولار يسابق الريح ونحن نعيش بهاجس أسعار الكتب والقرطاسية، ولن يكون بمقدورنا تحمّل كل هذا العبء المالي”.
وتلفت إلى أنّهم سيلجؤون كما العام المنصرم إلى شراء الكتب المستعملة، أو إلى عملية تبديل للكتب تجري داخل المدرسة بين الأهالي، معبّرةً عن سخطها من التلكؤ في إيجاد حلول سريعة لهذه المعضلة مع اقتراب العام الدراسي.
ماري أكّدت أنّهم كأهالي فقدوا الأمل بالدولة، لذلك “كل حدا بخلّص حاله بحاله، لأن ما بعرف شو بدنا نعمل”. لكنّها في المقابل رفعت صرختها الى المعنيين لطلب الدعم على الكتب والقرطاسية أيضاً، قائلةً: ” لم يعد باستطاعة الناس تحمُّل غلاء الأقساط والكتب، وأعرف الكثير من الأهالي اختاروا نقل أولادهم إلى مدارس رسمية”، مشيرةً إلى أن “الوضع إلى أسوأ ومبدئياً كل المؤشرات تُنذر بأن العام المقبل سيكون أونلاين أيضاً، فهذه السلطة لم تفعل أي شيء لتأمين الدواء الذي يُعدّ من أهمّ الأمور الحياتيّة، فكيف لها أن تهتمّ بشؤون التعليم؟”.
كذلك هيرا هاغوبيان، والدة طالب في مدرسة خاصة، تعيش كماري نفس المعاناة، وتؤكّد أيضاً أنّ الأمور لا تزال ضبابية ولم يتبلّغوا شيئاً من إدارة المدرسة سوى بضرورة التسجيل للعام الجديد.
وعبّرت هيرا عن حزنها لما آلت إليه الأوضاع، وقالت :”العيشة صارت صعبة كثير”، أعاننا الله على هذه الظروف، فمستقبل أولادنا مهدّد، ونحن لا حيلة لنا في ظل تدهور الأوضاع، لا سيما وأن المعلّمين أيضاً يتحدّثون عن أنّهم لن يتمكّنوا من الحضور إلى المدارس بسبب أزمة البنزين، وفي حال لم يتم رفع قيمة رواتبهم”.
وكما ماري، طالبت هيرا بضرورة دعم الكتب المدرسية للتخفيف عنهم، كما تمنّت أن تراعي إدارة المدارس ظروف الأهل الاقتصادية لجهة الأقساط وأسعار القرطاسية واللّباس وغيرها.
الدولار نار… الأب نصر: الـ e-book أكثر الحلول تحقّقاً
على الرغم من كلّ المؤشرات التي تشي بأن العام الدراسي الجديد سيكون أيضاً “أونلاين”، إلا أنّ الأب يوسف نصر، أمين عام المدارس الكاثوليكية، شدّد على أنّهم عازمون على أن يكون هناك عام دراسي وأن تسمح الظروف بذلك، لاسيما “أننا اليوم أمام معطيات صعبة جداً على الصعيدين الصحي والاقتصادي”، حسبما قال.
ولفت إلى وجود “مجموعة مشاكل يجب حلّها منها الكتب والقرطاسية في ظل ارتفاع سعر الصرف، فلا يمكن شراء الكتاب الواحد مثلا بـ 60$ أي ما يعادل مليون و200 ألف ليرة تقريباً، فمَن مِن الأهالي باستطاعته دفع هذا الملبغ لكتاب واحد فقط؟”.
وفي إطار الحلول المطروحة والتي تناقشها المدارس مع دور النشر، كشف الأب نصر عما يعرف بالـ “e -book”، أي الكتاب الرقمي والذي يسهّل عملية التعلّم عن بعد، كما أنّ كلفته أقلّ بكثير من كلفة الكتاب الورقي.
مؤكداً أن المباحثات جارية مع دور النشر للوصول إلى اتفاق حول هذه المسألة، وقال: “هذا الكتاب الرقمي يحلّ إحدى أهم المشكلات التي نعاني منها اليوم”.
أمّا بالنسبة للقرطاسيّة، فأشار إلى أنّ “الأمر مُعلّق في الوقت الحالي بانتظار معرفة مصير العام الدراسي، ففي حال كانت البداية “أونلاين”، عندها نكون قد اختصرنا مشكلة القرطاسية”.
وأضاف: “الوضع الصحي يتراجع ولا يمكننا تخطيه، إضافة إلى الظرف الاقتصادي، لذلك يجب أن نأخذ بالاعتبار كل تلك المتغيرات لنقرّر كيف ستكون بداية العام، وما هو الأنسب ونحترم إمكانيات الأهالي”.
لا شيء رسمياً حتى اليوم… نقابة المكتبات تنتظر “الفرج”
من جهته، أكد أمين سرّ نقابة المكتبات جوزيف طعمة، أنّ لا دور للمكتبات في “تسعير” الكتب، لافتاً في حديث لـ”النهار” إلى أنّهم اليوم في “تواصل مستمر مع نقابة الناشرين لاسيما وأن دور النشر لا تسلّم الكتب نتيجة التقلّبات في سعر الصرف”.
وأشار إلى أنّه حتى اليوم لم تتمّ دعوتهم كما كل عام لانعقاد اللّجنة المخصّصة لتحديد آلية الأسعار في وزارة الاقتصاد وتحضرها نقابتا الناشرين والمكتبات، لذلك لا شيء رسمياً حتى الآن. مذكّراً بأنّ دور النشر تكبّدت خسائر كبيرة في العام الماضي حينما استقر سعر الكتاب على سعر الصرف 3000 ليرة للدولار الواحد، فيما كان دولار السوق السوداء بـ 8 آلاف ليرة.
وفيما خص القرطاسية، قال: “الأمر خاضع للتجارة الحرّة، فنحن قطاع حرّ ومن الطبيعي أن تباع البضائع بحسب سعر الصرف اليومي”.
إذاً، لا حلول واضحة في الأفق، والعام الدراسيّ الجديد مفتوح على كلّ الإحتمالات، من “الدولار الكتابي” إلى القرض الدولي ووصولاً إلى التعلّم عن بعد، بانتظار القرارات الرسمية التي قد تصدر من المعنيين. على أمل أن تحمل كلّ المراعاة لظروف أهالي الطلاب الاقتصادية.