كتبت سينتيا سركيس في موقع “mtv”:
لا يشبه مسارنا في لبنان المنطق بشيء، ترانا نسير دوما عكس الطبيعة والواقع… لا بل نركض في خطى ثابتة إلى الوراء حينا بسبب الحروب والفوضى، وأحيانا أخرى بسبب السياسات الخاطئة. قد نكون البلد الوحيد في العالم الذي استغنى عن سكة الحديد بعدما كان رائدا بقطاع النقل، ولا شك أننا أكثر البلدان التي تعاني، ليس من جراء أزماتها، ولكن بسبب أغبيائها الذين يديرون دفة الحكم.
ففي خضمّ المعاناة اللبنانية جراء أزمة المحروقات وارتفاع أسعار السيارات وصفيحة البنزين، وبدل الاستفادة من القرض الذي منحنا إياه البنك الدولي بقيمة حوالى 295 مليون دولار لإقامة خطة النقل العام التي من شأنها أن توفّر الكثير على المواطنين، وتؤمن لهم تنقلا آمنا ومنخفض التكلفة، ها هم المسؤولون يحوّلون هذه الأموال لتمويل البطاقة التمويلية التي لن تتوفّر للجميع، والتي تحوم حولها شكوك كثيرة واعتراضات لدرجة أن البعض أسماها “البطاقة الانتخابية”.
وبعد، أطيح بالباص السريع في وقت أعلمنا وزير الطاقة قبل أسابيع أن “يلي ما رح يقدر يدفع حق تنكة البنزين ما يستعمل سيارتو، ويستعمل شي تاني”… فأيّ “شي تاني” عسانا نستعمل؟
قد يكون القطار هو حلّنا الأمثل للمرحلة المقبلة. القطار الذي تحوّل إلى مومياء ومجموعة آثارات شاهدة على مرحلة مضيئة من تاريخ لبنان وذلك بعدما أطاحت به الحرب، كما وغياب التخطيط على طاولات الوزراء الذين يستغرق تعيينهم أشهرا طويلة.
قبل أكثر من مئة عام، كان القطار يتبع سكته في لبنان وصولا إلى العالم العربي وأوروبا، وهو لم ينقل البشر فقط بل البضائع أيضا، فعرف لبنان ازدهارا تجاريا واقتصاديا مهمّا حتى اطلق عليه لقب “بوابة الشرق”. غير أنه ومنذ رحلته الأخيرة عام 1994 وتوقّفه نهائيا، لم يسع أحد إلى لملمة هذا القطاع وبث الروح فيه من جديد، ولا عجب… حتى أصبحنا اليوم بلا قطار… وقريبا بلا سيارة ولا باص.
لذلك، تشكل إعادة إحياء القطار في لبنان حلّا مهما واساسيا للبنانيين على أكثر من صعيد، فهو سيوفّر عليهم كلفة النقل التي باتت باهظة للغاية مع ارتفاع سعر البنزين اسبوعيا والذي سيسجل ارقاما مرتفعة جدا مع رفع الدعم في المرحلة المقبلة، إضافة إلى ارتفاع اسعار السيارات وقطع الغيار المرتبطة حكما بالدولار. أضف إلى ما تقدّم، أنه سيخفف وبشكل كبير من زحمة السير على الطرقات وبالتالي فهو توفير للوقت وللأعصاب.
ولكن ما السبيل لتشغيل القطار، في وقت ترزح البلاد تحت وطأة أزمة اقتصادية وانهيار لا مثيل له؟
الحلّ يكون عبر عقد BOT، وهو خيار تلجأ إليه الدول التي تعاني من عجز مالي أو اقتصادي يمنعها من تحقيق مشاريع إصلاحية مهمة، ويكون ذلك عبر اتفاق بين الدولة وشركة متخصصة تتكفل بتنفيذ مشروع معيّن، على ان تستفيد هي من الارباح لفترة من الزمن، قبل ان تعود ملكية المشروع للدولة… وبالتالي، الحل لموضوع القطار في لبنان، يكون عبر إجراء مناقصة شفافة، تجذب شركات عالمية، فيحصل المشروع الأنسب على فرصة إعادة تأهيل سكك الحديد بحيث تحظى الشركة الرابحة والمنفذة بأرباح عائدات القطار لسنوات معيّنة بحسب ما ينص عليه الاتفاق، لتنتقل لاحقا إلى الدولة اللبنانية، وتصبح هي المستفيدة الوحيدة منه.
ما تقدّم، ليس بالأمر الصعب، بل هو أسهل الحلول وأفضلها… فرجاء وبما أن إعادتنا إلى الوراء، من إنجازاتكم، فدعونا نعرّج إلى الزمن الجميل، ولنعد إلى هناك، يوم كان القطار واقعا، والازدهار حقيقيا…