مع تقلّب الحرارة في جمهورية جهنّم، حيث “يُسلَق” اللبناني “بطنجرة الهموم والأزمات” الغارق فيها على نار حامية، ويُشوى على جمر بورصة سعر الدولار “الآخد مجده طلوع”، تدخل البلاد مرحلةً سياسية جديدة طوت معها صفحة الحريرية، أقلّه إلى ما بعد الإنتخابات النيابية، لتفتح صفحة جديدة لم تتضح معالمها بعد، بحسب ما تتقاطع عليه رؤية الثورة و”التيار الوطني الحر”، مع سقوط العمود الأول، حيث التمحيص في الصورة وخلفياتها وقراءتها بأعصاب باردة، يتبيّن لنا الكثير من حقيقة هذا الصراع وأطرافه كما دوافعه وغاياته، مع ما أفضت إليه من اعتذار وما بعد بعده.
فتطوّرات الأيام الماضية “حكومياً”، تدلّ على أننا دخلنا نفقاً مظلماً طويلاً لن نخرج منه قريباً، مع المأزق الذي يبدو الفريق الرئاسي وحليفه “حزب الله”، قد وضعا نفسيهما ولبنان فيه، مع إعلان الشيخ سعد اعتذاره عن التشكيل، رغم أن الظاهر يبيّن أن الحارة وبعبدا قد انتصرتا مجدداً على “الإرادة الدولية”، ما لم يكن هناك من أرنب مخفي بانتظار إفلاته.
ففي الظاهر، يسيطر جمود ثقيل على الساحة السياسية، مع محاولة العهد وحلفائه “هضم” قرار الحريري، بعدما “تغدّاه رئيس الجمهورية قبل ما يتعشاه”، للإنطلاق في رحلة البحث عن البديل، التي تبدو حتى الساعة شبه مستحيلة، مع تعذّر توفّر انتحاري “سنّي” لترؤس حكومة، “مزلّطة سنياً”، نتيجةً لعدم حماسة أي من أعضاء نادي الرؤساء السابقين، أو حتى الوزير السابق فيصل كرامي، الذي وضع لائحةً من الشروط لخوض غمار تسمية، قد لا توصل إلى تشكيل، وسط “إفشال” مقصود لمسعى “الإستيذ” ، لانتزاع إسم من الحريري.
بالتالي، وأمام هذه المعطيات، تُطرح تساؤلات عديدة أبرزها، لما أقدمت الرئاسة الأولى على القفز في المجهول؟ وهي على دراية بأنها غير قادرة على التعامل مع بيت الوسط، من جهة، والواثقة من أن الأخير كان يعمل على تأمين مخرج آمن له من “مغطس” الحكومة؟
في الواقع، إن فريق رئيس الجمهورية، وقبل أشهر من الإعتذار، إن لم نقل منذ صدور مرسوم التكليف، أدرك أن تشكيل حكومة، كي لا نقول التعايش مع الرئيس الحريري، أمر يحتاج لمعجزة، بحكم كل الظروف الحاكمة للتوازنات القائمة، لذلك، كانت اجتماعات طويلة ولقاءات ركّزت على البدائل، عندما تستحق ساعة الحقيقة، حيث تمّت جوجلة وغربلة الكثير من الأسماء، طرح بعضها كبالونات اختبار وأُبقي البعض الأبرز منها طي الكتمان لحمايتها من الحرق.
ومن بين ما طُرح يومها مجموعة احتمالات لكلّ منها ظروفها وشروطها، لجهة حكومة انتخابات أو مهمّة، سياسية أم تكنوقراط، بتزكية من الحريري أو بدون، وغيرها الكثير من النقاط والأمور الأساسية، لتُوضع لكلّ من تلك السيناريوهات، إسم شخصية قادرة على تأمين الحدّ الأدنى من التوافق مع بعبدا، حيث جاءت نتائج “السحب” ، لصالح إسمين تقدّما على ما عداهما، الأول، وزير الداخلية العميد محمد فهمي، في حال السير بحكومة إنتخابات، أمّا الثاني فهو النائب فؤاد مخزومي، الذي عقد سلسلة لقاءات في بعبدا، كان استبقها بتأمين مروحة إتصالات عربية ودولية قادرة على تأمين مظلّة له، والأهم تواصله مع أطراف فاعلة في الثورة، أفضى إلى “إقناعها” بالمشاركة بحكومة يترأسها.
خطط جنرال بعبدا التي كانت تُعدّ في السر، والتي ظنّ أنها بمأمن عن ضربها، لم تكن كذلك، إذ ثمة “ثغرة ما”، أدت إلى نسف مشروعه الأساسي، بالسير بحكومة إنتخابات برئاسة وزير الداخلية، الذي كان حتى الأمس “مقبولاً” دولياً وعربياً، وإلى حدّ ما داخلياً، غير أن رياح المحقّق العدلي في قضية انفجار المرفأ، دفعت بسفن الخيار الرئاسي إلى غير اتجاه، وساعد في ذلك “هفوة أبو كلبشة” الذي خانه حسّه الأمني، وخضع لضغط الإسراع في إصدار قرار رفض إعطاء الإذن بملاحقة المدير العام للأمن العام، فوقع في كمين مُحكَم حرق فيه كل مراكبه الحكومية، والتي قد تطال موقعه في الداخلية، بحسب سفير دولة كبرى في بيروت، واضعاً “سكين أهل الضحايا على رقبته”، مع دخول أطراف ثالثة على الخط، من الثورة، والأهم من حركة “أمل”، المتّهم الأول بعمليات الشغب والتكسير التي حصلت أمام منزله ودفعته إلى التواري عن الأنظار مع عائلته في مكان مجهول.
وهنا، يُطرح السؤال الكبير، خصوصاً إذا ما بنينا على بعض المعطيات التي رافقت تلك الأحداث، والتي لا مكان لذكرها الآن: هل أن عين التينة قرّرت تنفيذ هجوم استباقي ضد العهد، بعدما أيقنت أن “حصانها” بات خارج اللعبة، وساعدتها في ذلك حارة حريك؟ فكيف سيردّ جنرال بعبدا وأين؟
في كل الأحوال، رئيس المجلس غير البعيد عن هذا الواقع، أجرى حساباته وحدّد مكامن القوة والضعف، وقرّر الخروج إلى الإعلام، لتوضيح حقيقة موقفه، والتي لم يعرفها أحد حتى الساعة. وفي ظل تضارب المواقف المسرّبة، كشفت معلومات مقرّبين من “الإستيذ” عن تحضير معاونه للشؤون السياسية لمؤتمر صحافي، يشرح خلاله الملابسات التي رافقت الفترة الماضية، وسرّ المبادرة التي بقيت بنودها حتى الساعة طي الكتمان، حتى بالنسبة للأفرقاء المعنيين مباشرةً بالتكليف، خصوصاً أن عين التينة كانت سبقت الإعتذار بقولها إن التشكيلة تراعي مطلب الجميع بما فيها مبادرتها.
عود على بدء في كل الملفات… ففي ذكرى الرابع من آب زلزال شعبي منتظر لن تقلّ مفاعيله عن انفجار الأمونيوم، فيما الحصانات “حجّة يلّي لا استحوا ولا ماتوا”… موجة رابعة من كورونا على الأبواب، إن لم تكن تخطّت العتبة، “والسهر داير ولا مين يسأل”… تسمية جديدة إن حصلت نتيجتها “رئيس مكلّف ورئيس مكتّف”… وعلى هذا المنوال حدّث ولا حرج… “وخود من إيدك وعطيها قد ما بدّك عدّ ملفات”… يقول الشاطر حسن الذي يذكر بأن “القلّة صحيح بتولّد النقار”بحسب المتل ولكن “جيبة اللبناني الفاضي بتولّد انفجار بوجه حزب الله”… “إذا حدن حابب يسمع ويفهم”.