كتب عماد الشدياق في أساس ميديا :
“الغريق يتعلّق بقشّة”… هذا المثل اللبناني يختصر حال اللبنانيين مع سعر صرف الدولار.
بعد الأجواء الإيجابية عن قرب تشكيل الحكومة صباح يوم الخميس، هرعت الناس إلى الصرّافين لتتخلّص من دولاراتها ظنّاً منها أنّ تشكيل الحكومة سيرخي بأجوائه الإيجابية على سعر الصرف. وقد زاد في منسوب هذا التفاؤل المفرط إشعارات تطبيقات الهواتف الذكية العاجلة، التي تأثّرت بالأخبار السياسية المضلِّلة، فراحت تدسّ للمواطنين الرسائل عن انخفاضات سريعة ومتتالية لسعر صرف الدولار إلى نحو 19 ألف ليرة، لكنّ هذا الحال تبدّل في غضون دقائق، مع إطلالة الرئيس المكلّف سعد الحريري من بعبدا، معلناً اعتذاره عن تشكيل الحكومة.
الاعتذار كان كفيلاً برفع سعر صرف الدولار مثل البرق، إلى نحو 21 ألف ليرة، ثمّ جاءت إطلالة الحريري الثانية على قناة “الجديد” مساء الخميس لتزيد في الأمر تعقيداً، إذ ركّز الحريري في حديثه على سعر صرف الدولار، ولمّح أكثر من مرّة إلى أنّ الدولار سيرتفع، وأنّ المواطنين سيفقدون السيطرة، ثمّ سرعان ما تحوّل محطّ كلام الحريري خلال المقابلة، إلى “هاشتاغ” غير بريء على ما يبدو، غزا مواقع التواصل الاجتماعي: #الله_يعين_البلد.
هذه الأجواء السلبية خلقت إرباكاً كبيراً في السوق، لمسه المواطنون على تطبيقات الهواتف التي تتولّى نشر سعر الصرف، والتي لم تهدأ طوال يوم أمس مسجِّلةً تأرجحاً بين 22000 و23500 ليرة ظهراً، ثمّ لاحقاً لدى الصرّافين.
يفترض ارتفاع سعر الصرف، بديهياً، أنّ الناس كانت تحمل الليرات اللبنانية وتترقّب الهبوط لتشتري الدولارات، لكنّ الواقع يؤكّد أنّ ما حصل كان بخلاف ذلك، وأنّ الناس التي ما عادت تملك الكثير من العملة الوطنية، “أكلت الضرب” بعدما دخلت في لعبة ميسر ومراهنات عمياء بدولاراتها التي تُخفيها في المنازل. إذ أكّد أكثر من صرّاف في العاصمة لـ”أساس”، أنّ عدداً كبيراً من المواطنين انكبّ، منذ ظهر الخميس على بيع الدولارات بشكل هستيري، وصل إلى حدّ بيع هذه الدولارات بسعر 19000 ليرة، وهذا ما دفع الكثير من الصرّافين إلى وقف عمليّات الشراء، وتعميم هذا الأمر على زملائهم في المناطق كافّة، خوفاً من تدهور السعر أكثر وأكثر.
لكنّ المفارقة كانت في أنّ الذين صرفوا دولاراتهم ظهراً، عادوا هم أنفسهم إلى الصرّافين أنفسهم لشراء الدولارات نفسها التي صرفوها، بعد صعود السعر إلى ما فوق 21 و22 ألف ليرة نتيجة اعتذار الحريري. أضف إلى ذلك أنّ الطلب لم يقتصر يوم الخميس على مَن باع دولاراته فحسب، وإنّما تعدّاه، بحسب ما روى أكثر من صرّاف لـ”أساس”، إلى ناس دخلت اللعبة متأخّرة بعد الاعتذار. وقد استمرّ هذا اللعب مع الرهان على تسجيل سعر الصرف سقوفاً إضافية.
أمّا أمس الجمعة، فواصل الدولار ارتفاعه إلى حدود 23500 ليرة، وأقفلت المحلّات والمؤسسات أبوابها، وفضّلت التريّث في البيع والشراء إلى ما بعد عيد الأضحى، لأنّ تسعير السلع على 23 ألف ليرة ما عاد مضموناً، وسط أجواء تنذز بإمكان أن يسجّل سعر الصرف المزيد من الارتفاع قد يصل إلى حدود 24 ألف ليرة، وهو الرقم الذي سبق أن أشار إليه “أساس” قبل أسابيع حين أكّد أنّ سعر الصرف ماضٍ بثبات ليستقرّ على سعر يمثّل ضعف سعر منصة “صيرفة” الخاصّة بمصرف لبنان: 12000 ليرة لبنانية.