دخل لبنان النفق السياسي المظلم، بعد النفق الاقتصادي المعيشي والنقدي، وشكّل اعتذار الرئيس #سعد الحريري الضربة المؤلمة إذا لم تكن القاضية لمساعي الحل أو بداية العمل لوقف الانهيار.
وفيما بدا أنّ المنظومة الحاكمة قد أعلنت فشلها بالكامل، وأمعنت في نحر المبادرات الدولية والعربية للمساعدة تتّجه الأنظار إلى ما بعد الاستقالة، وكيفية التعاطي مع الانهيار وإدارته والتخفيف قدر الإمكان من نتائجه المدمّرة.
وأصبح من المتّفق عليه أنّ استقالة الحريري لم تترافق مع خطة بديلة، أو اتفاق على شخصية أخرى، بما يصعّب المهمة المقبلة على الأطراف السياسية، لكن البحث بدأ بحكم الأمر الواقع.
يطرح عدد من السيناريوات، بدأ الترويج لها من أطراف عدّة أولها طرح الرئيس #نجيب ميقاتي لتولّي المهمّة، ولكن بحسب المعلومات المتوافرة حتى الساعة لم يُبدِ ميقاتي رغبة بتولّي هذه المسؤولية.
ولكن في المنطق السياسي العام يبدو ميقاتي الأقرب لتولّي المهمّة إذا قبلها فهو حائز على رضى الفرنسيين والأميركيين وقريب جداً من الحصول على تغطية الحريري، الذي بعدما أعلن جهاراً في مقابلته التلفزيونية الأخيرة أنّه لن يسمّي أحداً، عاد ولطّفها في مجرى الحديث وكأنه ترك الباب مفتوحاً لشخصية يرضى عليها، ومن المرجّح هي ميقاتي.
سلسلة اعتبارات يضعها رئيس الحكومة الأسبق يصعب تجاوزها وتتمثل بأنّه على قناعة بأن من رفض أن يتعاون مع الحريري، لن يبدّل موقفه بتعاونه مع ميقاتي الذي يتمسك بالعناوين السياسية التي طرحها الحريري، وهي ربطاً طروحات رؤساء الحكومات السابقين.
هذا بالإضافة إلى أنّ تجربته مع عون وتياره في حكومته الأخيرة لم تكن مشجعة، وهي أدّت في النهاية إلى استقالة الحكومة، كما أنّ العلاقة السياسية مع “التيار الوطني الحر” خلال السنوات الماضية لم تكن جيّدة لا بل مقطوعة، وهو رغم التسويات الكبرى التي حدثت في حينها لم ينتخبه.
أمّا الاعتبار الآخر فهو أيضاً غير مؤمن حتى الساعة، فهو التغطية السعودية للترشح، فلا مبادرة سعودية بهذا الاتجاه ولم تعط السعودية حتى الساعة أيّ إشارة بالقبول.
وفي مطلق الأحوال، لم يقفل ميقاتي الموجود في الخارج أبواب الاتصالات معه نافياً أن يكون قد طلب ضمانات تتعلّق بما بعد الانتخابات النيابية أو اشترط تسميته لترؤس حكومة جديدة، وهذا يعتبره خروجاً عن اتفاق الطائف وتأثيراً على مجلس النواب بالإضافة إلى أنّ لا أحد بإمكانه إعطاء هذه الضمانات.
أما من ناحية بعبدا التي لا تزال غارقة في سكرة إبعاد الحريري، فيبدو أنها بدأت بتوزيع الرسائل يميناً وشمالاً، فأصرّت بالأمس على فكّ الاشتباك مع رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر الإيحاء بأن عون طالب الحريري بإعتماد مبادرة وتقسيماتها واستعداده للالتزام بها، إضافة إلى توزيع بيان تحت غطاء المصادر تشير فيه إلى أنّ ما حدث ليس انتصاراً لأحد وأنها تنظر بايجابية لموقف الرئيس الحريري بأنه لن يقاطع الاستشارات النيابية المقبلة لأنّ في ذلك إحساساً بالمسؤولية واحتراماً للنظام الديموقراطي الذي ينظم الخلاف أو التنافس السياسي، علماً أنّ الخروج الطوعي من التكليف ليس خروجاً من الحياة السياسية، ولا بد من التعاون، كل في موقعه، لأجل الخير العام”.
فيما يبدو أنه تناغم مع الضغط الدولي، أبلغت أوساط مقرّبة من بعبدا “النهار” أنّ الرئيس عون يهمه الإسراع بتحديد موعد للاستشارات لكن، ونظراً لدخول لبنان في عطلة عيد الأضحى، فإنه سيتمّ تأجيلها إلى ما بعد ذلك مباشرة وقد تكون في الإثنين الذي يلي عطلة العيد.
وفيما لا تنفي مصادر صعوبة الدعوة للاستشارات ما لم يكن قد تم الاتفاق على الشخصية التي ستتولى المنصب، عبرت عن آمالها أن تكون فرصة العيد مناسبة للتواصل بين الأطراف لترشيح الشخصية.
وعلى مستوى المشاورات أيضاً هناك حوار جدّي يعقد في مكان آخر، بين الفرنسيين و”حزب الله” وهو ما يعوّل عليه حالياً، وهذا الحوار وإن كان لا ينحصر بملف تشكيل الحكومة ويشمل ملفات كبيرة على مستوى لبنان واليونيفل والمنطقة، إلّا أنّه يتصدر المرحلة الحالية، بحيث يسعى الفرنسيون إلى العودة إلى الطرح الأول لإيمانويل ماكرون بحكومة غير سياسية من الاختصاصيين غير الحزبيين تترأسها شخصية من المجتمع المدني ومقبولة دولياً ك#نواف سلام وتكون مهمتها محصورة بإدارة مفاوضات مع صندوق الدولي والإشراف على الانتخابات النيابية، إضافة إلى ضبط الوضع الأمني للتخفيف من آثار الانهيار أمنياً، ولكن أيضاً بحسب أوساط مطّلعة إنّ هذه الطروحات لا زالت دونها عوائق كبيرة، وإنّ موقف “حزب الله” لم يتغير بالنسبة للمشاركة في الحكومة وما رفضه تحت هول الانفجار لن يقبل به حالياً، هذا بالإضافة إلى عقدة التمثيل السني التي من الصعب تذليلها بهكذا طرح في ظل بقاء ميشال عون في رئاسة الجمهورية ونبيه بري في رئاسة مجلس النواب، ما يظهر أنّ هناك نقصاً في تمثيل الطائفة السنية وقياداتها على مستوى الحكم، كما أن أحداً لا يستطيع التيّقن من حسابات ميشال عون الطامح الى ضمانات لصهره تقيه شرّ العقوبات.
المصدر : النهار