توحي كلّ المعطيات المتوافرة بأنّ ساعات قليلة تفصل عن القرار “الحاسم” للرئيس المكلَّف سعد الحريري في موضوع تشكيل الحكومة، والمرجَّح أن يكون الاعتذار، بعد الكثير من التريّث والانتظار الذي لم يُفضِ إلى نتيجة، ورغم كلّ المحاولات الجادّة والمبادرات الجدّية التي اصطدمت بجدار “العهد” المسدود، وفق ما يقول “المستقبليّون”.
وفقًا للمعلومات، فإنّ الحريري سيزور قصر بعبدا بعد ظهر اليوم، فور عودته من القاهرة حيث يلتقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على أن يقدّم تشكيلته “الأخيرة” لرئيس الجمهورية، المستندة إلى “روحيّة” مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الأخيرة، لكن البعيدة عن منطق “التنازلات” التي يشترطها “العهد” للمضيّ إلى الأمام.
انطلاقًا من ذلك، يُعتقَد أنّ خطوة الحريري لن تكون سوى من باب “رفع العتب”، وكتوطئة لخيار الاعتذار المحسوم والحتميّ، إلا في حال “فاجأ” رئيس الجمهورية الرئيس المكلَّف، فوافق على تشكيلته، أو “انفتح” على النقاش بها، بعيدًا عن رفضها بالمُطلَق كما فعل سابقًا، وهو “سيناريو” يعتقد العارفون والمتابعون أنّه غير واقعيّ بتاتًا.
“التيار” ينتظر!
مع توالي الأنباء عن الاعتذار المحسوم، تتوالى التسريبات أيضًا عن “غبطة” يشعر بها “التيار الوطني الحر” ورئيسه الوزير السابق جبران باسيل، فاعتذار الحريري كان مطلبه المُبطَن منذ اليوم الأول، بل منذ ما قبل تكليف الحريري الذي حصل “رغمًا عنه”، ومن دون مباركته، ولو غلّفه بمطالب مُعلَنة معقّدة شبه تعجيزيّة، كان يدرك أنّ من المستحيل تحقيقها.
صحيح أنّ الوزير باسيل قال قبل أسبوع إنّ اعتذار الحريري “يُحزِنه”، وصحيح أنّه أعلن بالأمس، من خلف تكتّله النيابي “لبنان القوي”، أنّه يتطلّع بأمل إلى زيارة الرئيس المكلَّف إلى بعبدا، إلا أنّ أحدًا لا يستطيع أن يجادل بمبدأ أنّ باسيل لا يريد للحريري أن يؤلّف الحكومة، لأسباب “شخصية” أولاً، ولأسباب “لوجستية” ثانيًا، ترتبط بالاعتقاد بأنّ وجود الحريري على رأس الحكومة قد يكبّل “العهد” ولا يسمح له بتحقيق ما يصبو إليه من حكومته الأخيرة.
ويعتقد “العونيّون” أنّ حكومة برئاسة الحريري ما كان بإمكانها أن “تصمد”، حتى لو تحقّق “المعجزة” ونجح الرجل بتأليفها، إذا ما بقي الرجل متمسّكًا بسياسته الحاليّة، القائمة على “الخصام” مع رئيس الجمهورية، لأنّ “المساكنة القسرية” بين الرجلين لن تسمح بأيّ إنتاجيّة، بل ستحوّل مجلس الوزراء إلى “حلبة صراعات ونكايات”، الأمر الذي كان ليطيح بأيّ “إنتاجيّة موهومة” للحكومة، إن وُجِدت أصلاً.
ماذا بعد الاعتذار؟
مع أنّ هناك من يقول إنّ الاعتذار لم يُحسَم بعد، وأنّ أيّ تطوّر في الساعات المقبلة يمكن أن يعدّل في “التكتيك”، لا سيما في ظلّ وجود اتصالات نشطة داخليًا وخارجيًا، إلا أنّ الأنظار بدأت تتّجه سلفًا إلى “سيناريوهات” ما بعد هذا الاعتذار، بعيدًا عن احتفالات الجمهور “الافتراضي” لـ”التيار” بـ”انتصارٍ” بلا أسُس ولا أفق.
لكنّ العارفين يشيرون إلى أنّ صورة ما بعد الاعتذار تبدو “غامضة”، حيث بقيت “السلّة المتكاملة” التي ينشدها رئيس مجلس النواب نبيه بري فارغة من أيّ محتوى، ما يعني أنّ المرحلة المقبلة قد لا تكون “ميسَّرة”، لا سيّما وأنّ الاتفاق على “بديل” الحريري لم يتمّ بعد، وقد لا يكون “مسهَّلًا”، في ظلّ الاعتقاد بأنّ رئيس البرلمان يرفض سلفًا كلّ الأسماء التي يطرحها “العهد”، والتي تُقرَأ من خلفها نيّة بالمواجهة.
وفيما يعتقد البعض أنّ خيارًا واحدًا قد يكون منطقيًا وسط هذه المعمعة، يقضي بالذهاب إلى حكومة “انتخابات” حياديّة، جلّ أعضائها من غير المرشحين للانتخابات النيابية، لا سيّما أنّ المرحلة الفاصلة عن الاستحقاق الديمقراطيّ لم تعد تسمح بأجنداتٍ أخرى، يخشى البعض أن يكون “الفراغ” سيّد الموقف من الآن وحتى الانتخابات، على أن تتولى حكومة تصريف الأعمال، ولا أحد غيرها، إدارة هذا الاستحقاق، إن حصل.
باختصار، يبدو أنّ “سيناريوهات” ما بعد “الاعتذار” أحلاها “مُرّ”، ولو احتفل البعض بـ”الاعتذار” قبل أن يُعلَن، واعتبروه “نصرًا سياسيًا”. لعلّ هؤلاء سيكونون أول “المتحسّرين” في حال سارت الأمور وفق ما هو متوقَّع، لأنّ “البديل” قد يكون “أمَرّ” من كلّ التشكيلات التي يرفضها “العهد” اليوم، بسبب حقيبة بالزائد، أو وزير بالناقص. على أنّ الساعات المقبلة وحدها “تحسم” الوجهة النهائية التي ستسلكها الأمور…