لم يكن غريباً ان يطلق تأجيل زيارة الرئيس المكلف #سعد الحريري لقصر بعبدا أمس سيلاً من الاجتهادات والتفسيرات والتكهنات بعد لغط واسع شكك بنبأ الزيارة في ذاته، مع ان الاتجاه لحصولها لدى الحريري كان ثابتاً وأكيداً. ذلك ان إرجاء الزيارة التي كان سيقدم خلالها الرئيس الحريري التشكيلة الحكومية ذات الـ24 وزيرا الى رئيس الجمهورية #ميشال عون بدا بمثابة “إستدراك” للعد العكسي الأخير لمسار التعقيدات المتواصلة في وجه #تشكيل الحكومة وفي وجه تسهيل مهمة الحريري، ولو ان المفارقة اللافتة في هذا السياق تتمثل في أن الإرجاء لن يوفر سوى يوم واحد قبل بلورة الذهاب الى المقلب الاخر من الازمة مباشرة بعد زيارة الحريري لبعبدا عصر اليوم مبدئياً ما لم تطرأ مفاجآت جديدة على غرار ما حصل امس.
وبوضوح كلي لا تتصل عملية التأجيل التي حصلت امس لا بإجراءات بروتوكولية تتعلق بمواعيد القصر ولا بإرادة الحريري تطويل الوقت لساعات إضافية قبل إقدامه على ما اعتزم حاسماً القيام به. اذ ان المعلومات المتوافرة في هذا السياق، تشير الى ان معطيات طرأت امس على جدول تحرك الحريري أملت عليه ارجاء زيارته لبعبدا الى ما بعد عودته من القاهرة التي يفترض ان يكون توجه اليها مساء امس بعد استقباله في بيت الوسط الموفد الرئاسي الفرنسي #باتريك دوريل في مستهل جولة الأخير على المسؤولين اللبنانيين في مهمة حض إضافية على تشكيل الحكومة. وسيلتقي الحريري اليوم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ان يعود الى بيروت بعد الظهر حيث يرتقب ان يزور قصر بعبدا.
وعلى رغم الكتمان الشديد الذي أحاطت به الأوساط القريبة من الحريري الاسباب التي أملت ارجاء زيارته لبعبدا امس، فإن المعطيات التي واكبت الحركة الديبلوماسية والسياسية الكثيفة في الساعات الأخيرة، أبرزت حقيقة ان دولاً أساسية منخرطة في الجهود القائمة لحل الازمة الحكومية بدت متوجسة من التداعيات التي قد تترتب على احتمال إقدام الحريري على الاعتذار، اذا رفض عون تشكيلته الجديدة، باعتبار ان الاعتذار سيترك فجوات خطيرة في واقع لبنان ما لم ترافقه ترتيبات انتقالية للبحث عن البديل بموافقة كلية من الحريري نفسه.
ولعل اكثر الدول المنخرطة في جهود اللحظة الأخيرة لمنع حصول تداعيات خطرة لاي احتمال لتنحي الحريري هي #فرنسا ومصر وروسيا اذ قامت كل منها بشبكة اتصالات وجهود لافتة في الساعات الأخيرة سعياً الى إبقاء مسار الجهود مركزاً على تشكيل حكومة برئاسة الحريري وتحصين لبنان بحزام أمان الحد الأدنى الذي يحول دون اختلالات سياسية واجتماعية دقيقة إضافية. وبرز هذا الامر مصرياً عبر زيارة الحريري للقاهرة، وفرنسياً عبر ارسال موفدين الى بيروت وتزخيم الاستعدادات لعقد مؤتمر الدعم الثالث للبنان وروسيا في فتح الروس سلسلة اتصالات مع اللاعبين الأساسيين في لبنان والإعلان تكرارا تأييد موسكو لحكومة برئاسة الحريري.
وفي أي حال فان موقف رئيس الجمهورية ميشال عون عشية اللقاء الحاسم المتوقع بينه وبين الحريري لا يوحي بمرونة اذ غرد امس عبر حسابه على “تويتر” قائلاً “من يريد انتقاد رئيس الجمهورية حول صلاحيته في تأليف الحكومة فليقرأ جيداً الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور”. وقد وزعت معلومات رسمية ان رئيس الجمهورية تلقى امس اتصالا من الرئيس الحريري، وطلب تأجيل الاجتماع بينهما الذي كان مقررا امس الى اليوم. كما ان ”تكتل لبنان القوي” اعلن انه “يتطلع بأمل كبير الى الزيارة التي يعتزم رئيس الحكومة المكلف القيام بها الى قصر بعبدا، آملاً وبصدق في ألا تكون زيارة رفع عتب، بل أن تكون فرصة جدية ليناقش مع رئيس الجمهورية بصدق مسألة تشكيل حكومة وفق الآليات والمعايير الدستورية والميثاقية، بحيث تولد قبل عيد الأضحى حكومة قادرة على الإصلاح تكون بمثابة هدية الى اللبنانيين، خصوصا بعدما تم تذليل كل العقبات الداخلية من أمامها.”
التحرك الفرنسي
وأفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين ان الموفد الرئاسي الفرنسي الديبلوماسي باتريك دوريل وصل امس الى بيروت لاستكمال اتصالاته بالمسوؤلين لتشكيل حكومة وللتحضير لمؤتمر #المساعدات الإنسانية الذي سيترأسه الرئيس ايمانويل ماكرون يوم 4 آب وفق ما كشف لـ”النهار” مسؤول فرنسي رفيع. وقد تم الاتفاق على ان يعقد في 4 آب في ذكرى مرور سنة على انفجار مرفأ بيروت بدلاً من 20 تموز الموعد الذي كان مقرراً. وقال المسؤول الفرنسي ان فرنسا ما زالت على موقفها من انه ينبغي تشكيل حكومة من عناصر توحي بالثقة لان احداً لا يريد تقديم أي تمويل للمسؤولين الحاليين لان لا ثقة دولية بهم. وأضاف ان باريس اكدت انها تؤيد ان يكون الرئيس المكلف سعد الحريري على راس الحكومة ولكن في المقابل يجب ان يتمتع الوزراء في الحكومة بصدقية وثقة ونزاهة وهذه الشروط الأساسية للدعم . وقال المسوؤل نفسه انه في حال اعتذر الحريري وتم تكليف نجيب ميقاتي بموافقة الحريري فباريس لا تعارض ذلك ولكن الامر الملح والطارئ هو تشكيل حكومة.
وقد اجرى الرئيس الفرنسي اتصالات بدول الخليج شملت ولي عهد الامارات الشيخ محمد بن زايد وامير قطر الشيخ تميم، كما ان وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لو دريان اجرى اتصالات بنظيره الأميركي طوني بلينكن ثم تحادثا مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان. ويزور لودريان حالياً واشنطن حيث يجري محادثات مع نظيره ومسؤولين آخرين يتطرق فيها مجدداً الى الملف اللبناني والضغوط المتوقعة على المعطلين. وقال المسؤول الفرنسي لـ”النهار” ان العقوبات الأوروبية آتية قريباً على المسؤولين عن التعطيل وأصبحت جاهزة، وثمة دول لم تكن موافقة مثل هنغاريا، عادت فوافقت مع مجموعة الدول الـ27 . واوضح ان منع كبار المسؤولين اللبنانيين من دخول الاتحاد الأوروبي وتجميد ممتلكاتهم بسبب الفساد سيشكل ضغطاً قوياً عليهم اذا لم تشكل الحكومة. وقال ان الامل ما زال موجودا بادراك المسؤولين انه حان الوقت لتشكيل الحكومة لإنقاذ البلد. وفي هذه الاثناء يدفع ماكرون نحو التعبئة لمساعدة لبنان وجمع الأموال ورصد المشاريع لانقاذه في حال تم تشكيل حكومة.
الموقف الروسي
وفي اطار التحرك الروسي صدر بيان عن الخارجية الروسية أشار الى اتصال اجري بين الممثل الخاص لرئيس روسيا الاتحادية في الشرق الاوسط وبلدان افريقيا نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وتناول ”مشكلة تشكيل حكومة مهمة قادرة جديدة على قاعدة القرار المتخذ بناء للاستشارات النيابية الملزمة وقرار رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون بتعيين رئيس الحكومة سعد الحريري”. وأضاف “من الطرف الروسي تم التأكيد على دعم الجهود التي تقوم بها القوى السياسية والطائفية الاساسية اللبنانية في هدف الوصول الى توافق على المشاكل الوطنية المطروحة حاليا بما فيها ضرورة ايجاد حل في ازمة تشكيل الحكومة ومن هنا اكد انه غير مقبول ويأتي بنتائج عكسية التدخل الخارجي بشؤون الداخلية اللبنانية وخصوصا التصاريح من بعض العواصم الغربية والتهديد بفرض عقوبات يضر بمبدأ وحدة الاراضي وسيادة الدولة اللبنانية “.
أهالي الشهداء
وسط هذه الأجواء بدأ تحرك #أهالي شهداء انفجار مرفأ بيروت يتخذ بعداً واسعاً وتصاعدياً مع العد العكسي لذكرى انفجار المرفأ وانضمام مجموعات من نشطاء الانتفاضة الشعبية اليهم. وقام امس الأهالي يساندهم جمع كثيف من الناشطين بتنفيذ اعتصام حاشد أمام منزل وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي في قريطم للمطالبة برفع الحصانات عن كل المستدعين. وحمل المحتجون صور الشهداء ونعوشاً رمزية تمثل جنازات الشهداء على وقع رفع الآذان وأجراس الكنائس عبر مكبرات الصوت. وحاولوا الدخول مع النعوش إلى باحة المبنى الداخلية حيث يقطن الوزير فهمي، محاولين تخطي عناصر الحماية وأفراد فرقة مكافحة الشغب، مما تسبب بوقوع مواجهات و#صدامات حادة مع عناصر حماية المبنى تطورت لاحقاً الى استعمال القنابل المسيلة للدموع ورمي الحجارة. وافيد أن الصدامات بين الأهالي والمعتصمين وعناصر قوى الأمن ادت إلى سقوط جرحى من الجانبين كما تسببت القنابل المسيلة للدموع باغماءات لعدد من المتظاهرين.