إلى حينه، يتجّنب رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري إعداد “صيغة تشكيلة حكومية” لعرضها على رئيس الجمهورية ميشال عون، ولهذا القرار أسباب مردودة بغالبيتها إلى مشاعر سلبية متنامية ومبنية على سوء العلاقة مع قصر بعبدا، وبالتالي اعتقاده بعدم جدوى الخطوة. والحريري في سرّه يعتقد أن “القصر” سيرفضها بناءً على المعايير التي يعتمدها الرئيس المكلّف في التأليف ويرفعها إلى مستوى المقدّسات، وتُخالف حدّ المعاكسة لتلك التي يشهرها القصر، وأنه لا يريد أن يفسح المجال للقصر لكي يحمّله المسؤولية… بهذا المعنى، لن يقدم “المكلّف” على تقديم تشكيلة إن بقيت الأمور مع القصر ـ وستبقى – على هذه الدرجة من التأزيم إلا إذا طرأ أمراً ما، وفي السياسة اللبنانية كل شيء وارد!
ذاع صباح أمس خبرٌ أن رئيس الحكومة المكلّف سيزور قصر بعبدا اليوم (أمس) لتقديم “مسودّة تشكيلة” إلى رئيس الجمهورية، على أن يقوم الأخير بدرسها ثم يعود إلى المكلّف… وسرعان ما “قلّمه” القصر الجمهوري بتأكيد صحّة الطلب مرفقاً باستبيان عدول الحريري عن الخيار بعد حين، وقد أرفقه بتبرير “الإلتزام الطارئ” ـ قاصداً ربما مروحة اللقاءات التي اجراها في بيت الوسط وسفره إلى القاهرة. في المقابل، تواترت معلومات حول أن الحريري ـ أو المقرّبين منه – حاولوا تمرير رسائل عبر الاعلام لـ”تحضير القصر” حيال الخطوة المحتملة، وهو ما عاكسه محيطون بملف التأليف حيث أبلغوا إلى بعبدا أن لا نية لدى الحريري للصعود في هذا التوقيت وقبل زيارة مصر لانتفاء المصلحة منها. معنى ذلك، أن “حكاية” تقديم التشكيلة قد “طارت” مبدئياً، وهي نواة الدفع التي كان يطمح إلى تنفيذها أعضاء نادي رؤساء الحكومات السابقين الأربعة على نية “زَرك” الرئيس.
عملياً، على جدول أعمال الحريري لقاء في القاهرة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “قُدّم” من نهار الخميس إلى الأربعاء بناءً على طلب الأول. يريد الحريري تقديم “إحاطة” إلى السيسي حيال ما وصلت إليه الأمور في ملف التأليف، والإستماع إلى وجهة نظره واستمزاج رأيه في ما قد يُقدم عليه حين عودته إلى بيروت (أي الإعتذار). وثمة من يقول، أنه، وبناءً على “مشورة السيسي”، سيتصرّف الحريري، وهذا إنما هو شكل من أشكال الوصاية الدولية على التكليف وقرار التأليف، ويعيد “ترشيد” مسألة الإعتذار ويجعلها متساوية مع عدمها، رغم أن الحريري، وقبل ليلة من مغادرته نحو القاهرة، جمع أعضاء مكتبه الخاص والمكتب السياسي في تيار “المستقبل” وأعضاء “مجلس القيادة” وأبلغهم قراره بالإعتذار، وهو ما أتاح لنائب رئيس تيار “المستقبل” الدكتور مصطفى علوش، إبلاغ رسالة “شفهية” عاجلة إلى محور المقاومة عبر شاشة قناة “الميادين” (بناءً على مشورة الحريري) مفادها أن الحريري سيتقدم نحو الإعتذار نهاية الأسبوع الحالي، أي كما سبق وأن ذكر “ليبانون ديبايت” سابقاً من أن الإعتذار سيأتي على مشارف حلول عيد الأضحى المبارك.
والحريري “مأزوم” وقد زادت من حدّة أزمته عودة التموضع السعودي لبنانياً، لكن إلى جوار “خصومه” المفترضين، يريد زيارة مصر، ولمرة أخيرة، بصفته رئيساً مكلّفاً عملاً بالطابع البروتوكولي، وكثناء على دور القاهرة ووقوفها إلى جانبه، وهو الحرص عينه الذي أبداه خلال لقائه بالموفد الفرنسي باتريك دوريل قبيل سفره.
لكن، ثمة من يبني “أملاً” على زيارة مصر لناحية تأثيرها على موقف الحريري وثنيه عن الإعتذار، مع العلم، أنه، وبعكس ما يتردّد، فإن القاهرة باتت تميل إلى موقف أبو ظبي حيال “تحرير الحريري” من مسار التأليف وتفرّغه للإنتخابات النيابية. وعملاً بالقاعدة الأولى، فإن الحريري قد يعود إلى بيروت، لكن من دون أن يعود إلى “نغمة” الإعتذار أو تقديم تشكيلة ولو أن إحتمال تقديمه لاعتذاره هو الخيار المتقدم حالياً، وقد يُعلن عن ذلك من خلال المقابلة مع الزميلة مريم البسام عبر قناة “الجديد”، والمقدّر أنها ستحصل غداة عودته إلى بيروت المتوقعة “مبدئياً” بعد ظهر الأربعاء.
كما أن لجوء الحريري إلى “الجديد” غير المصنّفة ضمن مسار “القرب منه”، تشكل رسالة سلبية إلى MTV ضمناً الذي سبق للحريري وأن دشّن تكليفه منه. وبناءً عليه، قد لا يكون ثمة إعلان إعتذار في حال رست المداولات في مصر على أمرٍ آخر (رغم أن الأجواء توحي إلى حينه أن الحريري سيعلن اعتذاره مباشرة على الهواء)، إنما قد يكشف الحريري خلال المقابلة عن أوراقه السرّية حول مداولات التأليف وما وصلت إليه الأمور، ويستخلص في نهاية الحديث إلى أن الإعتذار وارد بالنسبة إليه ومُتّخذ، إنما الإعلان عنه مسألة خاصة، وبذلك، يكون قد أرسل إشارة إلى اعتكاف يحمل مفاعيل الإعتذار، ويضاعف الأزمة مع العهد ويعمّقها ولا يُزعّل رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويفرض على الدول التي لم تنجح في تأمين “التغطية السعودية” له، أمراً واقعاً من قبيل رمي مسألة إدارة الأزمة اللبنانية على عاتقها وحدها وتنحيه عنها، ويصبح تورّطها السلبي مكشوفاً، وبهذا المعنى وفي ظل تكثيفها لتدخلاتها في المجال اللبناني عبر القناصل والسفراء، سيصبح أي أمر تقدم عليه بمثابة تدخل يندرج في خانة تطبيق قرار بالوصاية، ما سيضعها في مواجهة شريحة لبنانية كبرى رافضةً لمسار الفرض والإملاء، خاصة حين تنحو تلك الدول إلى اتخاذ قرار بـ”تكليف شخصية” لإدارة حكومة إنتخابات “وفق هواها السياسي”.. فهل أن الحريري يخطّط لقلب الطاولة على الجميع؟
مبدئياً، قد يكون ذلك محتملاً. الحريري لم يعد ميالاً للخوض أكثر في مجال تأليف الحكومة، سيما وأن الهدف من وراء ذلك، والذي كان أشار إليه في مستهل إعلان أنه “مرشّح طبيعي” قد انتفت بمرور الوقت، فضلاً على أن دفعه نحو تقديم تشكيلة حكومية لرئيس الجمهورية قد يتحوّل إلى لعبة خاسرة تدينه، خاصة في حالة الإيحاء بأن “التقديم” لم ينمّ عن نية في الحل إنما “رمي تشكيلة رفع عتب” في قصر بعبدا لدفع الأخير نحو رفضها، وهذا قد ينمّي المشاعر بتحميل الحريري الأسباب وإظهار عدم رغبته في التأليف، ما سيجدّد مصداقية الإتهام الذي يسوّقه “التيار الوطني الحر” نحوه. وربما قد يكون الحريري قد تراجع عن الخطوة بناءً على تمنيات ونصائح.
ليبانون ديبايت – عبدالله قمح