نشهد في الآونة الأخيرة كلاماً كثيراً عن تدويل الأزمة اللبنانية، وقد وصل هذا الكلام إلى حد القول إن هناك محاولات جديّة من أجل وضع لبنان تحت الوصاية الدوليّة. وفي هذا الإطار، لفتت أوساط سياسيّة إلى أن كل ما نسمعه اليوم عن وصاية دوليّة على لبنان مبالغ به، وبعيد كل البعد عن أرض الواقع، باعتبار أن هذا الأمر غير وارد إطلاقاً، والمؤشر الذي يرتكز عليه من يشيّعون لهذا الأمر ، هو الإقتراح الذي قدّمته لجنة الدفاع والقوّات المسلّحة في الجمعيّة الوطنيّة الفرنسيّة، لتشكيل قوّة طوارىء إنسانيّة بإشراف الأمم المتحدة والبنك الدولي لتعزيز الأعمال الإنسانيّة ومساعدة اللبنانيين ودعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي على الحفاظ على الاستقرار في البلاد. إلاّ أن هذا الإقتراح لا يعدو كونه مجرّد توصية ولا أبعاد لها أكثر من ذلك أبداً.
ووصفت الأوساط بعض ما يُكتب في هذا الإطار على أنه “Over dose” وخارج الإطار تماماً، وما يجري هو مساع دوليّة ناشطة باتجاه لبنان في المرحلة الراهنة وأكبر دليل على ذلك هو الإجتماع الذي عُقد في الأمس في بروكسيل ولقاء السفيرتين الأميركيّة دوروثي شيا والفرنسيّة آن غريو بالسفير السعودي وليد البخاري، والذي كانت سبقته زيارة السفيرتين إلى الرياض ولقاء ثلاثي لوزراء خارجيّة واشنطن، باريس والرياض، وذلك غداة اللقاء الفاتيكاني الذي دعا له الحبر الأعظم البابا فرنسيس.
واعتبرت الأوساط أنه لا يمكن أن تكون هذه الحركة الدوليّة الناشطة باتجاه لبنان شكليّة وإنما هناك مساع جديّة وحرص دولي على لبنان، إلا أن هذا الحرص لا يعني في المرحلة الحاليّة أبداً أن هناك إرادة دوليّة لتشكيل قوّة دوليّة وإنزالها على الأراضي اللبنانيّة وبالذهاب نحو تحويل لبنان إلى سوريا جديدة، فكلّ ما يجري اليوم هو في قبيل إيصال رسالة إلى الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران مفادها أنها لا يمكنها بتاتاً وبشكل قطعي استخدام لبنان كمنصّة لها على حساب الدولة في لبنان.
ولفتت الأوساط إلى أن هذا الحرص الدولي يعني أيضاً أن عواصم القرار لن تسمح أبداً بأن ينهار لبنان وينزلق نحو الفوضى، وأكبر دليل على ذلك هو أن لقاءات وزراء الخارجيّة من جهّة والسفراء تجري مع الطرف السعودي باعتبار أن هذه الدول تدرك تماماً أن الباب والمدخل الاقتصادي والمالي في لبنان هو سعودي ولذلك شهدنا لقاء وزيري الخارجيّة الفرنسي والأميركي بوزير خارجيّة السعوديّة وزيارة سفيرتي البلدين إلى الرياض ولقائهما مع السفير السعودي في لبنان وكل هذا لأن المملكة العربيّة السعوديّة هي مفتاح المساعدات على المستوى الإنساني التي من شأنها الحفاظ على الإستقرار في لبنان.
وأوضحت الأوساط أن الأميركيين والفرنسيين في طور العمل على المرحلة الأولى اليوم والتي تقتصر على تأمين المساعدات اللازمة من أجل إبقاء الأوضاع في لبنان مستقرّة في الحد الأدنى وألا تذهب إلى المزيد من التداعيات والإنهيارات، ولكن من المؤكد أيضاً أن هذا الحرص الدولي على لبنان لا يتوقّف عند هذه الحدود أبداً بل سيتخطّاها في مرحلة مقبلة، فمن الواضح أن المشهد في لبنان اليوم تغيّر بحكم هذه الحركة الدوليّة ولم يعد المشهد الإيراني هو الطاغي بالرغم من أن هذا المشهد الأخير يمسك اليوم بقرار الدولة . إلاّ أن الطاغي على المسرح السياسي اللبناني اليوم هم سفراء السعوديّة والولايات المتحدة الأميركيّة وفرنسا والإتحاد الأوروبي والفاتيكان.
ورأت الأوساط أن هذا الطغيان الدولي على الساحة اللبنانيّة، سيحكم في السياسة مستقبلاً الإتجاه العام الذي ستذهب فيه البلاد، مع العلم أن هذا الأمر متوقف على اللحظة السياسيّة التي من الواضح اليوم أنها لم تستوِ بعد.
وبحسب الأوساط فإن كل ما نشهده اليوم وإن أكّد على شيء ، فعلى أن لبنان تحت المجهر الدولي، وهناك مراقبة دوليّة لكل ما يجري في لبنان، وهذه المراقبة تذهب باتجاهين: محاولة مساعدة اللبنانيين بالحدّ الممكن من أجل منعهم من السقوط ، وتجميد الوضع الإيراني في لبنان بانتظار أن يكون مصير لبنان قد تقرّر في المفاوضات الدوليّة، وبالتالي أن يكون لبنان جزءاً من التفاوض مع طهران في مرحلة لاحقة وهذا الأمر بطبيعة الحال رهن لحظة التفاوض التي من الواضح أنها إلى غاية اللحظة لم تستجد بعد.
“ليبانون ديبايت” – بولس عيسى