كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
بعدما تلقى عدد كبير من المودعين مطلع هذا الشهر رسائل نصية من المصارف تعلمهم بضرورة التوجه إلى الفروع لتسوية أوضاعهم وبدء الإستفادة من التعميم 158، عادت وأجّلت الإستحقاق مرة جديدة. الحجة بعدم إلتزام أي مصرف لغاية اليوم بتطبيق التعميم ألصقت بالتجهيزات التقنية، فيما الحقيقة في مكان آخر أبعد بكثير من الأمور اللوجستية، التي أعطيت المصارف فترة شهر لتنظيمها.
وبحسب المعلومات فان جمعية المصارف التي انكبت على دراسة التعميم، ووضع الإطار التطبيقي له استطاعت الإستفادة من بعض الفجوات وتطويعها لمصلحتها عند بدء التنفيذ. فعادت وحملت ملاحظاتها حول كيفية وآليات التطبيق التي ستعتمدها إلى “الحاكم”، الذي لم يكن مسروراً أبداً من طريقة تعاطي المصارف مع التعميم مطالباً إياها بحل الموضوع سريعاً. و”ما حصل أن المصارف قررت أن تحسم من الحسابات التي تستفيد من التعميم، كمية من الدولارات توازي تلك التي دخلت إلى الحساب بعد تشرين الأول من العام 2019″، وذلك عبر شيكات او بموجب تحاويل داخلية. أكثر من ذلك فان عدداً من البنوك الكبيرة عمد إلى حسم فواتير توطين الهاتف الخلوي التي يدفعها العملاء نقداً على سعر صرف 1500 ليرة، من الحسابات القائمة قبل تشرين الأول 2019 والتي يشملها التعميم 158.
المحامي عماد الخازن يعيد هذا التجاوز الفاضح إلى رغبة المصارف بمحاسبة من “تاجر بالشيكات” بعد تشرين الأول من العام 2019، ولكنها فعلياً حاسبت كل المودعين! وذلك على الرغم من أن اغلبية المودعين ارتكز عملهم الحقيقي بعد انفجار الأزمة على الشيكات التي قبضوها عن استحقاق، ولم يعمدوا الى شرائها طمعاً بقبض قيمتها على سعر 3900 ليرة. ولكن المصارف لم تفرق وشملت كافة من أودع شيكات في حساباته. الخازن وصف تطبيق التعميم بـ”المسخرة”، معتبراً أنه تم تشويهه من قبل جمعية المصارف. وفي ظل عدم إيجاد مخرج لهذه الآلية الشاذة في التطبيق، ستنخفض أعداد المستفيدين من التعميم 158 بنسبة هائلة بحيث قد لا يستفيد اكثر من 15 في المئة من مجمل العدد المقدر بـ700 ألف حساب.
وفي الوقت الذي تثار فيه الكثير من التحذيرات الشكلية من التعميم 158 بعضها منطقي والبعض الآخر مبالغ فيه كتوقيع براءة الذمة ورفع السرية المصرفية الخ… فان جوهر الخطورة يتلخص في انعدام نية المصارف الإلتزام بالتعميم، لانها ببساطة لا تمتلك الدولارات الكافية لتطبيقه. والمبلغ السنوي الذي يترتب عليها بقيمة 1.5 مليار دولار ستضطر إلى شرائه من الأسواق بكلفة كبيرة. وعليه فكلما خفضت أعداد المستفيدين كلما خفضت الكلفة عليها.
عدا عن المخاطر الحقيقية في آليات تطبيق المصارف لاحكام التعميم، فان نقطة ضعفه الأخرى أنه حدد امكانية سحب 400 دولار على سعر منصة صيرفة البالغ حالياً 12 ألف ليرة، بينما الاخبار الواردة من مصرف لبنان تشير الى انه في صدد وقف العمل بتلك المنصة بسبب فشلها في ضبط سعر الدولار وتحايل التجار عليها، بحيث يحصلون على دولاراتهم على سعر 12 ألف ليرة، ويسعرون بضائعهم بحسب سعر السوق الحقيقي.
الكباش بين المصارف ومصرف لبنان ستظهر نتائجه خلال اليومين القادمين. وبحسب ما أفيد من معطيات فان أمام الحاكم خياران: إما “هز العصا” والتشدد مع المصارف وإلزامها بعدم الإستنساب بالتطبيق بما يصب في مصلحتها فقط، وإما “نفض يده” من الموضوع على قاعدة “أنا قمت بواجباتي وأنتم تدبروا أمركم بينكم وبين زبائنكم”.