الأربعاء, نوفمبر 27, 2024
الرئيسيةأخبار لبنان اليومقرارات البيطار: الحقيقة في مكان آخر

اضغط على الصورة لتحميل تطبيقنا للأخبار والوظائف على مدار الساعة 24/24

spot_img

قرارات البيطار: الحقيقة في مكان آخر

انضم الى قناتنا على الواتساب للأخبار والوظائف على مدار الساعة 24/24

spot_img

انضم الى قناتنا على التلغرام

spot_img

انضم الى مجموعتنا على الفيس بوك

spot_img

لا شيء بعيد عن السياسة. كل القضايا هي قضايا سياسية في النهاية، على ما يقول جورج أورويل. والسياسة إذا ارتكزت على مقتضيات الشعبوية، تدفع بالمرء إلى زمن يكره فيه ما كان يخشاه. وما أصعب خشية الحقيقة. فأخطر ما يمكن أن يصل إليه اللبنانيون هو كره الحقيقة أو الخشية منها، خصوصاً إذا كانوا في مواجهة استحقاقات يتحكّم بمصائرها أشخاص يغلب عليهم طابع الاندفاع لإرضاء الجماهير، فتسهو عنهم قواعد القانون لحساب قواعد الديماغوجية. هذا ما لا بدّ من اجتنابه، خصوصاً في قضية سامية تعادل قضية التحقيق في تفجير مرفأ بيروت.

فعلى مشارف الرابع من آب، خطا المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار خطوة وُصِفت بـ”المتقدّمة”، ولاقت استحساناً شعبياً. الغاية الكبرى منها، وفق ما يعتبر، هي الادّعاء على مَن يضعهم في خانة المسؤولين عمّا جرى، فيما الغاية الدنيا، التي غالباً ما تسطو على الأولى، تنطبع بحسابات سياسية أو هفوات قانونية يبرّرها حارس القانون لنفسه بدافع إرضاء الناس.

الهدف هو تصوير تحقيق إنجاز قضائي قبل الذكرى السنوية لتفجير المرفأ. يعلم القاضي أنّ الاستدعاءات التي سطّرها، لن تجد طريقها إلى التطبيق قبل أشهر. هنا تعود معادلة الزمن، الذي يراهن عليه الجميع لدفع الناس إلى كره ما يخشونه، أي كره الحقيقة. وبذلك يكون القاضي قد تجاوز قطوع الاستحقاق السنوي بقرار قضائي يندرج في خانة القرارات الشعبوية على قاعدة مرغوبة هي “كلّن يعني كلّن”، لكنّها منقوصة أو مبتورة إذا كان لا بدّ من نقاش أساس القرار والتناقضات التي تعتريه.

في الشكل أوّلاً، الاستدعاءات تحتاج إلى رفع الحصانات النيابية والقانونية والسياسية أيضاً. ذلك يحتاج إلى أسابيع أو أشهر، خصوصاً أنّ طلبات الاستدعاء، التي أُرسِلت إلى المجلس النيابي، ستكون بحاجة إلى دراسة هيئة مكتب المجلس، مع لجنة الإدارة والعدل لإقرارها، ثمّ يُحدَّد موعد لجلسة نيابية عامة للتصويت على القرار نهائياً، فيصبح نافذاً وتسقط الحصانات. بذلك يكون القاضي قد مرّر قطوع الذكرى السنوية، فيما الناس أُعطِيت أملاً وهميّاً مشبعاً بالقرارات الشعبوية هدفه إعطاء مفعول المهدِّئ العصبي.

وعلى صعيد الأساس الشكلي أيضاً، ثمّة ملاحظات لا بدّ من الاستمرار بالتذكير بها، منها بعض التشابه وبعض الاختلاف بين استدعاءات القاضي فادي صوان واستدعاءات القاضي طارق البيطار.

في متن الاختلاف تبرز إزالة أسماء كان قد أدرجها صوان سابقاً كرؤساء الحكومة السابقين تمّام سلام وسعد الحريري ونجيب ميقاتي، بالإضافة إلى حسان دياب، ثمّ تراجع عنها، في حين أبقى البيطار على استدعاء دياب فقط. وكان اللافت عدم انتفاضة رؤساء الحكومة السابقين كما فعلوا عند صدور الاستدعاء بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال، حين أظهروا حملات التضامن معه.

وإذا فرضنا أنّ الاستدعاء صدر بناءً على أنّ دياب كان على علم بوجود الموادّ، وكان ذلك أحد البنود التي ستُدرج على جدول أعمال مجلس الدفاع الأعلى، ثمّ سُحِب من التداول… فقد قال رئيس الجمهورية ميشال عون بنفسه إنّه كان على علم بالأمر، ولم يصدر عن بيطار أيّ قرار أو استدعاء أو حتى طلب الاستماع إليه كشاهد.

كذلك بالنسبة إلى استدعاء دياب رئيساً لهذه الحكومة، مقابل استدعاء وزير داخلية سابق، فيما لم يعرف ما إذا كان استدعى وزير الداخلية الحالي والوزيرة التي قبله. والأمر نفسه ينطبق على استدعاء قائد الجيش السابق ومدير الاستخبارات السابق، بينما لم يُستدعَ مثلاً قائد الجيش الحالي ولا مدير الاستخبارات الذي كان عند حدوث التفجير. والإشارة هنا ليست مبنية على تبنّي أيّ تهمة، إنّما هي محاولة نقاش لفهم المسار القانوني الذي استند إليه المحقّق العدلي. وتبقى الغاية الأساسية معرفة الحقيقة.

سؤال آخر يُطرَح عن سبب استدعاء المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم مثلاً، مع أنّ صلاحيّات الأمن العام على المرفأ معروفة ومحدودة في مراقبة حركة الداخلين والخارجين، ولا علاقة للجهاز بالعنابر ولا بالكشف على المحتويات.

يبرّر القاضي ذلك بأنّ رئيس هذا الجهاز كان على علم بوجود هذه الموادّ. لكنّ الأوْلى هنا التركيز على كون هذه المواد أُبقِيَت بناءً على قرارات قضائية، ولا بدّ من مساءلة القضاة المسؤولين عن هذه القرارات، والبحث عمّن ضغط عليهم وطلب منهم السماح بإبقاء المواد.

كلّ ذلك يبقى في إطار الشكل، أمّا في المضمون فالبحث آخر ومختلف كليّاً. فما يريده الناس، أوّلاً، هو معرفة الجهة التي جاءت بهذه المواد وضغطت في سبيل إبقائها، والجهة التي عملت على تهريب كمّيات كبيرة منها، وكيف كانت تُهرَّب، وإلى أيّ وجهة.

وثانياً، لا بدّ من تركيز التحقيق على الأسباب التي أدّت إلى وقوع الانفجار، وهل هي ناجمة عن عمل تخريبيّ أم عن اعتداء أم عن طريق الخطأ. ولا يمكن حصر المسألة كلّها في قضية الإهمال الوظيفي، وهو تركيز لن يؤدّي الغاية المرجوّة في معرفة الحقيقة.

آليّة التعاطي مع قرارات البيطار، سواء كانت من قبل المرحّبين بذلك أم المعترضين أم الصامتين، تشير إلى أنّ ما يجري سيؤدّي إلى طمس الحقيقة أكثر. فمَن يصمت يريد أن يتجنّب الغوص في هذه القضية، وأن يُبعِد نفسه عن أيّ شبهة أو عن أيّ إساءة إلى آخرين يرتبط معهم بعلاقة سياسية جيدة. أمّا مَن يرحّب فإنّ آليّة تعاطيه حالياً تختلف عن آليّة تعاطيه سابقاً بعد صدور استدعاءات صوّان، الذي ضُغِط عليه، ووُضِع في خانة المتّهم سياسياً، ثمّ نُحِّي.

أمّا المعترضون فهم قسمان: قسم يريد التصويب لمعرفة الحقيقة وعدم تمييعها، وقسم آخر يعترض لإعادة توجيه التحقيق وفق ما يريد سياسياً وشعبوياً. وهنا لا بدّ من التوجّه إلى القاضي للطلب منه ألا يسمح بوجود أيّ ثغرة يمكن لِمَن يريد تمييع التحقيق أو تغيير وجهته أن يستغلّها لينال منه. وهو لم يفعل في الوجبة الأولى من الادّعاءات.

Ads Here




مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة