في سياق دفاعها عن نفسها وردّ تأثيرات الأزمة المالية والسياسية عنها، تُضطرّ المؤسسات الأمنيّة والعسكرية، خصوصاً الجيش، إلى ردّ الاتّهامات التي توجّه إليها باستفادتها من الأزمة عبر حصولها على “كاش دولار” من الدول الداعمة وصرفها من دون رقابة.
هذا تماماً ما دفع قيادة الجيش، قبل أيام، إلى نفي تلقّيها مبلغاً مالياً، مؤكّدة أنّ “مبلغ 120 مليون دولار أميركي هو قيمة المساعدات السنوية التي تقدّمها وزارة الدفاع الأميركية للجيش في إطار الدعم اللوجستي والمعدّات والتسليح، بالإضافة إلى مبلغ 59 مليون دولار أميركي فواتير سدّدتها السلطات الأميركية لبرنامج ضبط الحدود”.
يجزم مطّلعون أنّ “مؤتمر الدعم الدولي للجيش، الذي عُقد في 17 حزيران الماضي، لا يشمل الجيش فقط، بل أتى تحت عنوان دعم كلّ القوى المسلّحة
يقول مصدر أمني بارز إنّ “الكاش الوحيد المتوافر لدينا، والذي لا يسدّ الحاجات بالنظر إلى هول الكارثة، هو المخصّصات المالية التي بات جزء منها يأخذ طريقه إلى الضباط والعسكر لتلبية متطلّباتهم الطارئة من استشفاء أو دواء. وقد بتنا فعلاً أمام مفاضلة بين دفع هذه المخصّصات للحصول على “المعلومة” والقيام بالعمل الأمني المطلوب الذي لا يحتمل تأجيل، وبين توفير مقوّمات الصمود للعسكري والحفاظ على صحّته كي يقوم بهذه المهمّة ومهمّات أخرى، لكن طبعاً الاستجابة لهذين المطلبين هي بالأهمية نفسها”.
وقد برزت، ضمن إطار المواجهة باللحم الحيّ، مبادرة الجيش إلى الأخذ من احتياطه من المازوت لتزويد منشآت الزهراني في الجنوب ومنشآت نفط الشمال (لاستخدامه بشكل طارىء على أن يُعاد إلى الجيش لاحقاً) لسدّ حاجات ملّحة تفادياً لانفجار اجتماعي خطير.
لكن ما لا تجاهر به هذه الأجهزة هو حاجتها فعلاً إلى مبالغ مالية (دولار أو بالعملة الوطنية) لتوزيعها على نحو 120 ألف عسكري وضابط من القوى المسلّحة كافّة (الجيش، قوى الأمن الداخلي، الأمن العام وأمن الدولة). يشبه الأمر البطاقة التمويلية التي لا تزال السلطة غارقة في فنجان تمويلها وتحديد الفئات المستفيدة منها، والتي لا تشمل العسكر.
في هذا الإطار، تحضر “العلاقات الخاصة” والعلاقات العامة (PR) لبعض قادة الأجهزة الأمنيّة لتلعب دوراً، ولو بسيطاً، في إبعاد العسكري عن حافة العوز، من خلال استثمار
هذه العلاقات من أجل جَلب المساعدات من مموّلين وداعمين للسلك العسكري. وقد اشتغلت كلّ الأجهزة على خطّ إعطاء حصص غذائية لعسكريّيها من صناديقها الخاصة أو بتمويل من مقتدرين. وقد دخلت السفارات بقوّة أكبر على خطّ تمويل مشاريع محدّدة (تدخل في سياق المشاريع العسكرية، مثل تشييد مبانٍ أو تجهيز مستوصفات…).
مصدر أمني بارز : الكاش الوحيد المتوافر لدينا، والذي لا يسدّ الحاجات بالنظر إلى هول الكارثة هو المخصّصات المالية التي بات جزء منها يأخذ طريقه إلى الضباط والعسكر لتلبية متطلّباتهم الطارئة من استشفاء أو دواء
أمّا الظاهرة المُستجدّة فهي غضّ النظر عن قيام العسكري بأعمال خارج نطاق “خدمته”، وهو أمرٌ مخالف للقوانين. لكنّ وطأة الأزمة اضطرّت عدداً منهم إلى الشغل “البرّاني”، وحسبهم في ذلك الحصول على الحاجات الأساسية بعدما تحوّل راتب العسكري إلى ما يشبه “البقشيش”.
يجزم مطّلعون أنّ “مؤتمر الدعم الدولي للجيش، الذي عُقد في 17 حزيران الماضي، لا يشمل الجيش فقط، بل أتى تحت عنوان دعم كلّ القوى المسلّحة، وهو الأمر الذي أبلغته معظم السفارات الممثّلة بلادها في المؤتمر لرؤساء الأجهزة الأمنيّة وللرئاسات المعنيّة”.
وعن سبب عدم مشاركة باقي رؤساء الأجهزة الأمنيّة في المؤتمر لتقديم ما لديهم من لوائح الاحتياجات، يوضح مصدر أمنيّ: “قائد الجيش يمثّلنا في هذا المؤتمر. ونحن نعلم أنّ كلّ المساعدات التي ستتأتّى عن هذا المؤتمر ستُوزَّع على كلّ الأجهزة الأمنيّة، وأنّ الثقل الأكبر منها سيعود للجيش بسبب حجم عديده وعتاده”.
وكانت السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو قد أكّدت في حديثٍ إلى مجلّة الأمن العام أنّ “المؤتمر الدولي هو لحشد المساعدات الطارئة للقوّات المسلّحة اللبنانية والقوى الأمنيّة التي لم تنجُ من الأزمة المتعدّدة الأوجه، وأتاح هذا التداول الاستثنائي، الذي جَمَع شركاء لبنان الرئيسيّين، الاستجابة للحاجات الملحّة التي عبّرت عنها القوات المسلّحة، خصوصاً بالنسبة إلى المساعدات الغذائية والطبية وقطع الغيار اللازمة لصيانة المعدّات”.
ينقل مصدر أمنيّ عن سفراء ودبلوماسيين أجانب تأكيدهم أنّ “مؤتمر الدعم يحاكي المتطلّبات الضرورية لكلّ القوى المسلّحة اللبنانية، وهي ستصل تدريجيّاً، من دون ربطها بتطوّرات ملفّ الحكومة والإصلاحات، لأنّ هذه القوى هي ضحية لهذه الممارسات السياسية، ودعمها يتأتّى من كونها آخر المؤسسات الصامدة وسط أخطر أزمة يمرّ بها لبنان منذ عقود طويلة”.
حتى الآن لا تنسيق عملانياً مع هذه الأجهزة لمعرفة لائحة احتياجاتها، مع العلم أنّ هذا الرابط يجب أن يمرّ حكماً عبر الجيش. ويقول مسؤول رئيس جهاز أمنيّ : “من جهتنا، يحصل تنسيق مع قائد الجيش طبعاً، ويُفترض أن يحصل هذا الأمر مع باقي رؤساء الأجهزة الأمنيّة”.
وفي المعطى الأمنيّ أيضاً، تُلفت جهات أمنيّة بارزة إلى أنّ “الوضع السياسي يزداد سوءاً. والمشكل السياسي لا علاقة لنا به، لكنّنا نتحمّل تداعياته. واحتمال إعلان حالة الطوارئ قائم ولا يمكن حجبه. وهو يعني تكليف الجيش مسؤولية حفظ الأمن بناءً على مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء (ثمّة مرسوم صادر عام 1991 كلّف الجيش حفظ الأمن) لتصبح البلاد منطقة عسكرية، وكل القوى الأمنيّة الرسمية خاضعة لإمرة قائد الجيش، تماماً كما حصل في بيروت (حصراً) إثر انفجار المرفأ. من هذا المنطلق، تأتي أهمّية تحصين كلّ القوى الأمنيّة ومدّها بالدعم اللازم”.
وتضيف هذه الجهات: “لن تقع المشاكل الأمنيّة دفعة واحدة. وهناك مراحل تسبق الوصول إلى دائرة الخطر الشديد التي تستدعي تدخّل القوى العسكرية. الأمن حتّى الآن تحت السيطرة، خصوصاً لناحية التصدّي للجريمة وضبط الإشكالات على الأرض، لكنّ الفوضى قائمة بسبب الوضع الاقتصادي والمالي. وإذا ساء الوضع أكثر واستدعى إعلان حالة الطوارئ وتسلُّم الجيش مقاليد الأمور، تصبح كل القوى العسكرية والأمنيّة بتصرّفه. لذلك لا بدّ من أن تبقى القوى الأمنيّة والعسكرية واقفة على رجليها”.
الجديد ليل أمس إعلان وكالة الأنباء القطرية أنّ قطر ستدعم الجيش بسبعين طنّاً من المواد الغذائية شهرياً، لمدّة عام.
ألمصدر : أساس ميديا – ملاك عقيل