ينتظر اللبنانيون مع زيارة كل موفد عربي وغربي الفرج، علّ أحدهم يحمل في جعبته مبادرةَ حلٍ للأزمات اللامتناهية التي تضرب البلاد. رهن الحلول بالمساعي الخارجية جاء بعد فقدان الأمل بأي حل داخلي، رغم العلم بأن الازمة بشقها الأكبر محلّية، كما جاء بعد التعويل على إحتمال إجراء أي ضغط خارجي على المعنيين في الداخل لنزع العقبات والتوقف عن عرقلة كل مسعى إنقاذي.
زار وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بعبدا وعين التينة وبيت الوسط، وأكد استعداد بلاده لمساعدة لبنان للخروج من الأزمة. كلام الوزير القطري مؤشر إضافي على أن الحل في لبنان يكمن في نقطتين أساسيتَين، الأولى، السعي الداخلي لحلحلة الأزمات واستعداد الخارج للمساعدة، والثانية، وجوب عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في الحضن العربي، القادر على إسناده في عملية النهوض.
كلام الوزير القطري لم يكن وحيداً، لا بل كان مدعمّاً بكلام السفيرة الفرنسية آن غريو، في إجتماع عقده رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لمجموعة من سفراء الدول للطلب منهم مساعدة لبنان وفك الحصار عنه. كلام السفيرة المذكورة كان قاسياً، وصائباً في الوقت نفسه، فهي بدورها اكدت لدياب أن المشكلة تكمن في الفساد وعدم تطبيق الاصلاحات، أما الخارج، فهو يناشد بحل الأزمة السياسية وتشكيل الحكومة في أسرع وقت للبدء بمساعدة لبنان للنهوض.
ومن الأجدى تذكير دياب بأن لا علاقة للمجتمع الدولي بأزمة المحروقات، ولا بانقطاع الكهرباء، ولا بتشرذم القضاء، ولا بفشل إقرار البطاقة التمويلية، ولا بوقف التهريب وضبط الاحتكار والتخزين، وغيرها من المشكلات التي يعانيها لبنان.
حكومياً، ما من بوادر توحي بأن الانفراج قد اقترب، لا بل يبدو أن الأزمات ستتعمق مع الوقت، خصوصاً إذا ما لجأ الرئيس المكلف سعد الحريري إلى الاعتذار دون تسمية شخصية سنية تتمتع بالحد الأدنى من القبول من مختلف الأطراف للتكليف بتشكيل الحكومة. وفي هذا السياق، لفت عضو كتلة المستقبل النيابية محمد سليمان إلى أن “الحريري لا زال يتحمّل مسؤولياته، وهو يريد تشكيل الحكومة على أن يتجاوب الطرف الثاني، ولكن جميع الخيارات مطروحة، بما فيها الاعتذار”، أما الحديث عن تسمية بديل، فهو أمر سابق لأوانه، حسب سليمان.
وفي حديث مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية، كشف سليمان عن “إجتماع يعقده الحريري مع الكتلة للتباحث في المستجدات، على أن تتضح الصورة أكثر في الأيام المقبلة”.
من جهته، عاد وأكد عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم “تمسّك رئيس مجلس النواب نبيه بري بالحريري، حفاظاً على الاستقرار، وانطلاقاً من معادلة الأقوى في طائفته، والتي كرسّها البعض”.
وحول الأخبار التي تم التداول بها عن عقد بري مؤتمراً صحافياً يعلن فيه انتهاء مبادرته، لفت هاشم في اتصال مع “الأنباء” الالكترونية إلى أن “الكلام كثير، لكن بري متسمّك بالمبادرة التي أطلقها ووضع لها إطاراً وآليةً لمحاكاة جوانب تعقيدات الأزمة الحكومية، خصوصاً وأنها تشكل الفرصة الأخيرة لايجاد مخرجٍ للازمة اللبنانية”.
في سياقٍ آخر، عاد ملف انفجار مرفأ بيروت إلى الواجهة مع اقتراب الذكرى السنوية في 4 آب، ولكن من باب التطورات القضائية التي طرأت على الملف نهاية الأسبوع الماضي، والتي تمثّلت باستدعاء المحقق العدلي القاضي طارق بيطار سياسيين وأمنيين للاستماع إلى شهاداتهم.
بدوره، دعا بري إلى جلسة مشتركة يوم الجمعة بين هيئة مكتب المجلس النيابي ولجنة الإدارة والعدل لدرس رفع الحصانة عن النواب غازي زعيتر، علي حسن خليل ونهاد المشنوق.
هاشم أكد في هذا الإطار أن “طلب رفع الحصانة هذه المرة تم وفق الأصول الدستورية والقانونية، عكس المرة السابقة، وانطلاقاً من هذه النقطة اكد الرئيس بري أننا مع القانون وتطبيقه، وسنكون حيث يكون”.
ولفت هاشم إلى أن “الإجتماع المذكور مخصص لدرس رفع الحصانة، ولدى المجتمعون مهلةَ 15 يوماً للدراسة والإجابة، ليحال الموضوع إلى الهيئة العامة لمجلس النواب لتقرير رفع الحصانة في حال تم التأكد من توافر كل المعطيات القانونية اللازمة”.
الخبير القانوني إدمون رزق من جهته رأى أنه “من المفترض أن لا يكون أحد فوق القانون أو بمنأى عنه، لكن للأسف فالأسلوب المعتمد في هذا البلد هو نوع من التسويات والتهرّب السياسي، وهذا ينعكس ضرباً للمؤسسات المعطّلة أساساً بفعل هذه الممارسات والاستثناءات”.
وفي حديث مع “الأنباء”، لفت رزق إلى “خلل بنيوي مرتبط بإطار المحاسبة، وهذا ينسحب أيضاً على السلطتين التشريعية والتنفيذية، وذلك سببه سلطات الأمر الواقع المنبثقة من تحالفات غير شرعية أو مشروعة، وهي سلطات قمعية، ولا مرجعيات صالحة لتقويمها”.
وشدد رزق في حديثه على “حكم الأمر الواقع، وغياب المراجعة الدستورية الصحيحة، والتراتبية السلطوية، والسلطات الشرعية الحقيقية في الموقعين التشريعي والتنفيذي، الأمر الذي يؤدي إلى اخلال في السلطة القضائية”.
وحول الإجراءات التي قد يتخدها القاضي بيطار بعد الإنتهاء من الاستجواب، لفت إلى أن “جميع الاحتمالات في مهب ريح التسويات، وعلى هامش القانون والتشريعات”.
وفي هذا السياق، سجل رئيس كتلة اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط موقفا لافتا، قائلا: “نجدد الدعوة الى كشف حقيقة إنفجار المرفأ وهذا يتطلب مساءلة كل المسؤولين المعنيين على أي مستوى كان دون إستثناء وبعيداً عن التدخلات السياسية والإجتهادات القانونية التي تتعلق بالحصانة وغيرها ولا بد من الركون الى القضاء مع مطالبتنا بإستقلاليته، تبقى الحقيقة فوق كل الإعتبارات أياً كانت”.
المصدر : الأنباء الكويتية