بُشرى سارة تولّى إذاعتها أرباب “كارتيل النفط” أمس: لن تُحلّ الأزمة عمّا قريب. هكذا، وبكل بساطة يتلاعب هؤلاء بمشاعر الناس، وبتواطؤ بينهم وبين وسائل إعلام راحت تروّج لدعاية فارغة بحثاً عن “فاتورة”. إذاً، وبعدما أغرق هؤلاء، اللبنانيين كذباً طوال أسابيع، عبر الزعم أن “ترشيد” الدعم يخفّف من الأزمة، ثم أخذوا يضربون المواعيد لبدء اختفاء الطوابير من الشوارع، تبيّن أن ما ذُكر مجرّد كلام بكلام. اللبناني الذي راهن على أن دعم 3900 للمحروقات كفيل بإنهاء أزمة الطوابير أمام المحطات، تمّ “بلصه” حرفياً.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الطوابير باقية وستتمدّد حتى يبلغ الدعم منصة الـ12,000 ليرة كمرحلة أولى، وإسقاطه كلياً بعدما “يُحرّر” إلى سعر صرف السوق كمرحلة ثانية، أو حتى يفوق سعر صفيحة البنزين سعرها في سوريـا. يعني أيضاً أن “ثقافة الطابور” ستطال الأفران والمستشفيات وتتحوّل “باحات المولّدات” إلى حلبات!
وكما أن أزمة المحروقات باقية، كذلك حال رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب. الرجل باقٍ في منصبه، وسيطول بقاؤه! إنسَ تأليف حكومة في القريب العاجل، أللهم إن لم يصدر تمديد يجعل من حكومة دياب “المبتورة”، حكومة أمر واقع!
ما يزال حسان دياب يلازم منزله في تلة الخياط. ثمة “طرمبة” بنزين تقع في محيط منزله تقريباً. في نهاية الأسبوع الماضي أقامت المحطة “سلسلة” سيارات امتدت حتى مشارف عائشة بكّار. أحد المشاركين بالفعالية لم يرق له الأمر. أخذ “يسخر” من كون الطابور “قصير” مقارنةً بطوابير الضاحية!
عملياً، ينقطع حسان دياب عن ممارسة الحد الأدنى من تصريف الأعمال. لا تطأ قدماه أرض السراي إلاّ بناء على دعوة! من يجالسه في محيطه يقول أن الرجل ملّ الحضور، ملّ السياسية ملّ الترقيع وملّ التلصيق!
نحو عام أو أكثر بقليل قضاها الرجل مسؤولاً وملّ، حسناً، كيف يفسر بقاء آخرين 30 سنة وطلوع في مواقعهم، الدستورية والسياسية؟
في آخر أيام الصيفية يُمارس الرجل “ثقةً زائدة” بالنفس، أقرب إلى ممارسة الحكم باستفراد كامل. لا يهمّه أن يُقال عنه أنه يختزل قرار مجلس الوزراء بنفسه ويتعاطى برعونة مع وزراء كانوا سبّاقين برعونتهم معه. أبدى استعداده (بإسم الحكومة) لتأمين مبلغاً وقدره 500 ألف يورو كمساهمة في تمويل جزء من نفقات المحكمة الدولية، من دون العودة إلى الوزراء. القرار يحتاج بحثه وإقراره إلى جلسة نعم، وهو مخالف نعم، لكن دياب (ومن خلفه رؤساء حكومات سابقين) يتجاهل كل ذلك. هو لم يشذّ عن القاعدة. من سبقه تعامل مع ملف المحكمة بنفس القدر من “الإستفراد”. من حاول مناقشته بالقرار بعدما علم به عبر الإعلام ، قاطعه هاتفياً من دون أن يكترث. ثمة وزراء “حربوقين” إلى درجة “الفصحنة”، ومن ذوي البحث عن الموقع ب”السراج والفتيلة” ومن المشهورين بافتعال المشاكل بين الزملاء، مضوا ينقّرون على رئيسهم. إنها فرصة سانحة للحرتقة عليه. هؤلاء ومن بينهم من أقنع نفسه بأنه خيار لرئاسة الوزراء، إنبرى لتسويق نفسه، ومن أقفل هاتفه وبات خارج التغطية أو أوكل الهاتف إلى مستشار حذق، وآخر يتفرّغ للقيام بجولات إنتخابية وآخر منقطع عن التصريف أو زيارة مكتبه، وآخرين من الذين يتقاتلون فيما بينهم إن إجتمعوا وآخر وآخران وآخرين أوكلوا أمر الوزارة إلى مدير أو بأسوأ الأحوال لمستشار “ذراع يسار”، هؤلاء بجميعهم تذكروا فجأة أن ثمة قرارات بحاجة لإجتماع!
عموماً، ومع كل الأقفال التي وزّعها حسان دياب من حواليه ثمة طاقة فرج. في محيط الرجل من يراهن على انتشاله من حالته من خلال تلميحات تطوف حول قرب الإتفاق على حكومة إنتخابات. أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث أن يكون الإتفاق يتم على حسان دياب، بمعنى أن يجري توكيله إدارة الإنتخابات، بالقوة!
“مع حسان دياب لا تنفع القوة” هكذا يردّد محيطه، حسناً، لكن أحياناً يُفرض على المرء، وهذا واقع، وقد تجلّى خلال أيام، حين مضى عازماً على “رفع ترشيد دعمه” للسلطة من خلال مدّها بجرعة حضور.
كان حسان دياب دخل في مدار التقنين. لا فيول سياسي لديه، لقد تم استنزافه. بهذا المعنى، قرر ترشيد حضوره اجتماعات قصر بعبدا، وقد وضع رئيس الجمهورية ميشال عون بصورة القرار. لكن ثمة شيء دفع به للإلتفاف على قراره السابق، حين حضر الإجتماع الأخير للمجلس الأعلى للدفاع.
ثمة من فسّر الخطوة على أن الرجل “هُمس في إذنه”، وآخرون اعتقدوا أن “ملاكاً مرسلاً” من قبل هيئة الأمر برؤساء الحكومات السابقين والنهي عن التأليف وعلى خانته، نبّهوه بضرورة حضور الجلسات. “لا هذه ولا تلك، الرجل رأى أنه ومن واجبه في الظرف الأمني الحسّاس الوقوف على المسؤولية ففعل” ـ ما يقوله المحيطون- إنما هذا يفتح قوساً، لماذا يا ترى لا يقف عند حدود المسؤولية في مسألة كبح الإنهيار؟ لهذه حديث آخر.
أسوأ سيناريو يمكن أن يشهده دياب هو التمديد له بشكل مقنع. في الغرف المغلقة بدأ يسري حديثٌ كالنار في الهشيم، مفاده أن اعتذار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري فيما لو تمّ، لن يحمل على تأليف حكومة جديدة. سعد الحريري إن اعتذر، لن يسمِي أحداً ولن يغطي أحداً ولن يسير بحكومة. الإعتذار في صلبه، يعني لا حكومة جديدة ما دام العهد واقفاً على قدميه، لذا لا حل إلا بتسيير الأعمال عبر تصريف الأعمال. يحدث ذلك فيما الحديث عن إدارة دياب لفترة إنتقالية يتسع.
بوضع مماثل، قد يطوّب حسان دياب قديساً حكومياً. قبل الرجل أم لم يقبل، هذا واقع يغدو سيئاً أكثر حين تدخل دولٌ على الخط، دولٌ على وزن “نفّذ ثم اعترض”. دولٌ لا ترى في الأمر برمّته إلاّ “قضية إنتخابات” لإزهاق روح أكثرية نيابية. عند هذا الحد، لن يكون ممكناً لحسان دياب الفرار. سيعهد إلى حكومته ملف الإنتخابات ويصبح ملزماً إدارته، وفيما لو تخلّف، سيرمى عليه تبعات تطيير استحقاق “مطلوب دولياً”.. فهل يقدر؟ على الأرجح كلا.
عند هذا الحد، لا بد ّمن حسان دياب للتمدّيد، سيقبل وسيضع على جدول أعمال حكومته بنداً وحيداً هو الإنتخابات. إذاً، لا خروج من السراي في الأفق. بصرف النظر عن الأثمان التي قد يجنيها أو يتكبّدها، ثمة أمر واحد راسخ، أن حسان دياب أضحى “ديكاً” للمرحلة. ما ينمّي هذه الفكرة معاودته لنشاطه تدريجياً. يُحكى في السراي عن استنهاض لورش ولجان… وربما مراسيم جوالة.