كثُرت في الآونة الأخيرة أحاديث الخبثاء، ومن بينهم سياسيون، بإتهام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأنه لا يشاهد التلفزيون لكي يطلّع على ما يعانيه المواطن اللبناني يوميًا، وما يتعرّض له من إذلال أمام محطات المحروقات وأمام الصيدليات متوسلًا الحصول على علبة حليب لأطفاله أو دواء لمريض وطاعن بالسنّ.ولكن بعد الخبر الذي ورد من القصر الجمهوري رسميًا بأن فخامته تابع وقائع لقاء قداسة البابا فرنسيس مع رؤساء الكنائس في لبنان في “يوم الصلاة من أجل لبنان”، لم يعد لدينا أي شكّ بأنه متتبع دائم لما يجري على أرض الواقع، ولكن “العين بصيرة واليد قصيرة”، فضلًا عن أن الآخرين “ما عم يخلونا نشتغل”.
وهنا تعود بنا الذاكرة إلى حديث للرئيس عون منذ قرابة الثلاثة أشهر تقريبًا، حيث فندّ فيه المشاريع التي قُدمت من أجل القيام بإصلاحات بنيوية، و”لكن تركيبة البلد الهجينة حالت دون أن تبصر هذه المشاريع النور وبقيت نائمة في أدراج المعرقلين والذين تتعارض مصلحتهم مع مصلحة نهوض لبنان من كبوته”.
فإذا سلّمنا جدلًا بهذا المنطق، وهو الراسخ في قناعات البعض، فإنه من البديهي والطبيعي أن يصار إلى تسمية الأشياء بأسمائها وتحميل الجميع مسؤولية تدهور الأوضاع إلى هذا الدرك، الذي لم يصل إليه لبنان واللبنانيون من قبل، حتى في عزّ الحرب الاهلية أو حرب الآخرين على أرض لبنان، إلا إذا كان الجميع مشتركين في “دفن الشيخ زنكو”. ولهذا السبب لم نسمع حتى اليوم بإسم فاسد واحد.
المطلوب أولًا وأخيرًا كشف الأمور كما هي وتسمية المعرقلين والفاسدين بالإسم، وعدم الإكتفاء بالتعميم والتعمية والإختباء وراء الأصابع. وإذا كان هذ الأمر متعذّرًا فعلى الأقل التحلّي بالجراءة الأدبية والإعتراف بالفشل، وذلك بالطبع بعد إجراء جردة حساب ومحاسبة الذات قبل محاسبة الآخرين، لأن أي إصلاح إن لم يبدأ من داخل البيت “فعبثًا يبني البناؤون”.
فبعدما تأكدنا بالخبر والصورة أن فخامة الرئيس يشاهد التلفزيون، لم يعد من الجائز على “أصحاب النوايا السيئة” إلقاء التهم جزافًا، وبث الإشاعات المغرضة من دون هوادة، ولم يعد بالتالي مقبولًا أن يُقال زورًا وبهتانًا أن رئيس الجمهورية قابع في برجه العاجي ولا يطّلع على أحوال رعيته، ولا يتعاطف مع مأساة شعبه.
ويسأل سائل، من باب الغمز واللمز: لم يعد هناك من حجة لدى الذين يدافعون عن منطق “عنزة ولو طارت” بأن “بي الكل” الذي تبيّن لنا أنه متابع جيد لكل ما يجري حوله، وعلى إطلاع بكل التفاصيل، وحتى الممّل منها، حريص أكثر من أي مسؤول آخر على أن يكون ما تبّقى من عهده غير منسي، تمامًا كما كانت عليه حال السنوات الأربع العجاف، وأن يذكر التاريخ هذه الفترة بما حفلت به من “إنجازات” بشيء من القساوة والواقعية التي لا تحتمل لا التفسير ولا الإجتهاد.
المواطن “يأكل العصي” من كل حدب وصوب، والمسؤولون وفي طليعتهم المسؤول الأول عن البلاد والعباد، وهو الوحيد الذي أقسم على الدستور، يكتفون بعدّ هذه العصي ويتفرّجون على مأساة الناس من على شاشات التلفزة من دون أن يحرّكهم وجع كل مواطن في كل زاوية من زوايا الشوارع العتيقة المنسية في المدن والقرى اللبنانية.
المصدر : لبنان 24 – اندريه قصاص