«صناعتك… هويتك». كثُرت الحملات لتشجيع الصناعة اللبنانية خصوصاً في ظلّ الأزمة الإقتصادية التي جعلت من المنتوجات اللبنانية الأوفر على المواطن من المنتوجات المستوردة. ولكن ما هي المصانع التي ستتأثر برفع الدعم الجزئي عن المحروقات؟ هل هذا هو الحلّ الأنسب للوقت الحالي؟ وما هي انعكاسات هذا القرار على التهريب؟
يشير رئيس لجنة الطاقة في جمعية الصناعيين اللبنانيين المهندس ابراهيم الملاح لـ «الديار»، الى أن «رفع الدعم الجزئي عن المحروقات سيرفع كلفة الإنتاج الصناعي بنسب متفاوتة. فالمصانع التي تستخدم الفيول لن تتغير أسعار منتوجاتها كونها منذُ البداية تؤمن الفيول بالعملة الصعبة. أما المصانع التي تستخدم المازوت، إمّا لمولداتها الكهربائية، وإما للصناعة فهي التي سيرتفع ثمن منتوجاتها».
أيُّ معيارٍ لنسبة ارتفاع المنتج؟
واوضح الملاح أنه «يختلف الأمر بين قطاعٍ وآخر، بحيث كلفة المحروقات على منتج معيّن تتراوحبين 5 و35 في المئة من كلفته، وفقاً لكمية المحروقات التي يتطلبها. وبالتالي كلفة المنتوجات التي يعود 35 في المئة منها إلى المحروقات، سيرتفع ثمنها بشكلٍ ملحوظ».
على سبيل المثال، يقول الملاح ان «الصناعات التي تتطلب كمية محروقات هائلة هي الترابة، ومصانع إعادة التدوير (ورق – بلاستيك – زجاج…)، والمعامل التي تتطلب العمل على مدى 24 ساعة كالأفران وغيرها. أما مصانع الخياطة، والطعام، والحجر والرخام، فلن تتأثر أسعار منتوجاتها بشكلٍ ملحوظ بما أنها تستخدم المحروقات لتأمين الكهرباء، وخدمة التوصيل لتوزيع البضائع، وكلفة تنقل الموظفين».
بيع المحروقات على 3900… الهروب إلى الأمام؟
من جهته، يشير البروفسور مارون خاطر، وهو باحث في الشؤون الماليَّة والاقتصاديَّة إلى أن
«ما تقوم به الدولة اللبنانيَّة من بيعٍ لما تبقى من الودائع على سعر 1500 ليرة، 3900 ليرة أو أي سعر آخر حتَّى نفاد الاحتياطي، ليس دعماً. فالدَّعم يُمَثِّل الجزء التنفيذي لمُخططٍ توجيهي واضح، تستهدف الدولة من خلاله بأموالها مَن يحتاج المساعدة من مواطنيها، وليس جميع مواطنيها والمقيمين على أرضها، ومن هذا المنطلق، فإنَّ بيع المحروقات على سعر 3900 ليرة أو ما يُسمَّى برفع الدَّعم الجزئي، تدبير غير ناجح ويعكس فَشَل المعنيين في إدارة الأزمة؛ فإذا كان رفع الدَّعم الجزئي يبتغي شراء الوقت والهروب للأمام فمصيبة، وإذا كان يهدف إلى تخفيض الطلب على المحروقات في بلدٍ لا تؤمِّن فيه الدولة النَّقل والطاقة فمصيبةٌ أكبر».
ويشرح البروفسور خاطر أن «رفع سعر صفيحة البنزين ليلامس 70,100 ليرة لن يشكل رادعاً أمام حركة المهرِّبين. وذلك يعود لتوافر هامش ربح كبير ومتحرك بين سعر صفيحة البنزين الجديد وسعر الصفيحة في سوريا والتي تصل إلى 240,000 ليرة».
لا حلّ…إلا إذا
وفي هذا الإطار، يختم البروفسور خاطر قائلاً أن «العديد من العوامل السياسيَّة واللوجستيَّة والتِقنيَّة تشكِّل عائقاً أمام إيجاد حلول فورية لأزمة المحروقات. فلا يمكن تصور أيّ حل لأي مشكلة بمعزلٍ عن أسباب أزمة لبنان السياسيّة. هذه الأزمة التي تستدعي لحلِّها عزل الطبقة السياسية الحاكمة عبر حكومة فاعلة تُقِرُّ إصلاحات بنيوية وتُفاوض صندوق النقد الدولي. فإمَّا التشكيل، وإمَّا المجهول على الأصعدة كافة».
أمام هذا الواقع، أسعار السلع والمنتوجات سترتفع رويداً رويداً ليتأقلم المواطن في نهاية المطاف على غلاء الأسعار. أما بالنسبة لقرار رفع الدعم الجزئي عن المحروقات، فما هو إلا شراء للوقت في ظل غياب أي خطة فعلية تُطبق على أرض الواقع للخروج من الأزمة. ومن هذا المنطلق، الوقت شارف على الانتهاء ولا مَن يبالي… وكما قال الفنان جورج خباز، عام 2013 في إحدى مقطوعاته والتي لا تزال تُطبّق حتى اليوم: «في وقت بعد بكير تفرجوا علينا…في وقت لشعب نصير شو صاير علينا (…) في وقت للجوعانين لاحق المعتر يشبع… وللي هاجر من سنين خللي بلا ما يرجع… وللي حقوقه مهضومة إنقعوا بعد بالعذاب… في وقت للحكومة وفي وقت للإنتخاب (…) وتدوب الهوية عالسكت… ومن هلأ لوقتا… في وقت».
المصدر الديار- غنوة عطية