كتب مروان اسكندر في “النهار”:
ثمة مظاهر متعددة تشير الى ان لبنان فقد هويته الاقتصادية والمالية، فالبلد لم يعد ملائمًا لإيداع الاموال المكتسبَة خارجيًا لان الودائع إما أنها تناقصت وإما تبخرت وإما هي على طريق التبخر، والحكم مستغرق في تكريس التحول الكارثي. ومن المؤشرات الواضحة الاستعاضة عن جلسات مجلس الوزراء – حتى لو كان في مرحلة تصريف الاعمال – باجتماع المجلس الاعلى للدفاع. فرئيس الجمهورية يرأس اجتماعات مجلس الوزراء لكنه لا يحظى بالتصويت، وفي مجلس الدفاع الاعلى المفترض ان يحصر اهتمامه بالشؤون الامنية والعسكرية، الرئيس يرأس ويترأس.
ان اي اقتصادي مبتدئ يعلم ان مشكلة لبنان الاقتصادية والمالية هي وضعية المصارف التي اسرفت في اقراض الدولة منذ اربع سنوات على الاقل، وعام 2018 وفي تقرير صادر عن مجموعة خبراء ينتمون الى السوق الاوروبية المشتركة، الحّوا في تقريرهم على ضبط عجز الموازنة وخفض نسبة اقراض الدولة من جميع التسليفات وإلا مواجهة مشكلة استمرار النظام الحر… بالطبع كبار المسؤولين سياسيًا لم يخصصوا وقتًا لقراءة هذا التقرير والاستفادة من توصياته.
ان المدخل لاستعادة لبنان ثبات سعر العملة واستعادة المصارف دورها الافتراضي – وقد اصبح دورها الوحيد وكأنها دكاكين للصيرفة لا اكثر ولا اقل، تتمتع بحماية القانون الذي لا يسمح بافلاس بنك مقابل عدم تحصيل حقوق المودعين.
وجمعية المصارف التي تحظى بأمين عام يُعدّ من اميز الاقتصاديين معرفة بشؤون النقد وحريات التحاويل وهو الدكتور مكرم صادر، لم تتقدم بمشروع مدروس لتجاوز الازمة المصرفية، ودراسات مكرم صادر التي صدرت تباعًا منذ العام 2016 لم تأخذ طريقها الى الإحياء، وها نحن نشهد تمديد ولاية ممثل العهد كرئيس لجمعية المصارف، وهو المصرفي الاكبر مسؤولية عن ازمة المصارف لان مصرفه حوّل مشتريات مشتقات النفط لحسابِ قريبٍ من الرئيس بشار الاسد، ومن ثم صُدّرت الكميات المستوردة والتي منها نسبة حظيت بالدعم الى سوريا من دون ان يحظى لبنان باي منفعة، وهذه العملية استنفدت جزءًا ملحوظًا مما يسمى احتياط مصرف لبنان، اي النسبة المفترض تأمينها من المصارف لدى مصرف لبنان لضمان السيولة للمودعين.
بالتأكيد جمعية المصارف بقيادة المجدَّد له وهو البعيد عن التجديد في الممارسات المصرفية وعن علم الاقتصاد، لن تتصدى لمشكلة تأمين السيولة بالعملات الاجنبية واستعادة لبنان قدراته على التمويل الذاتي والتمتع بمقدار من توافر العملات الاجنبية
المطلوب من جمعية المصارف ان تنجز دراسة معمقة حول امكانات دمج المصارف، ورفع رؤوس اموالها بمشاركات اجنبية ملحوظة، وتعزيز قدراتها على تأمين فتح ضمانات الاستيراد على نطاق عالمي، واذا لم نتوصل الى هذه النتيجة فالسلام على نظام لبنان الذي يكون هذا العهد قد أطفأه.
اضافة الى مشكلة المصارف التي اذا لم ينجز برنامج لمعالجتها لن يودع اللبنانيون العائدون من الخارج اموالهم في البنوك بل سيحتفظون بها في منازلهم ومكاتبهم وتبقى بعيدة عن تأمين اي دور تحفيزي للاقتصاد، فنشهد انطواء النشاطات التي تعتمد على التقنيات الحديثة والبرامج التي ستقرر مستقبل البشرية. ومعلوم ان البرامج الالكترونية المتطورة بنتاج ما يسمى الذكاء الاصطناعي ستقولب نصف الدخل القائم عالميًا بعد 9 سنوات او 8 سنوات على وداع هذا العهد الكئيب.
المشكلة الرئيسية التي نواجهها، اضافة الى فقدان برنامج اعادة العافية الى القطاع المصرفي، طموحاتنا وتوقعاتنا لاكتشافات الثروة النفطية والغازية، ونذكّر اللبنانيين بان خطاب الرئيس ليل الاحتفال بذكرى الاستقلال قبل سنتين كان كثير التفاؤل حينما قال: “ابشّر اللبنانيين باننا اصبحنا بلدًا نفطيًا”، وهذا الموقف اعلنه قبيل بدء شركة “توتال” التنقيب في رقعة من المساحة البحرية الخاصة بلبنان قبالة البترون القرية – المدينة الجميلة التي حظيت بشهرة لانها مرتكز الوزير جبران باسيل.
التنقيب لم يؤد الى اكتشافات غازية او نفطية، وقد انقضت سنتان على بدء العملية و8 سنوات على تأسيس الهيئة النفطية ولم تبدأ عمليات التنقيب في مناطق اخرى. وهنا نواجه امتحانين مهمين جدًا.
المنطقة البحرية المتاخمة للمياه الاقليمية الاسرائيلية يفترض ان تقوم بالتنقيب عن النفط والغاز فيها الشركة الروسية المتعاقَد معها على ذلك.
ومعلوم ان لإسرائيل مطالبة بجزء من المساحة البحرية، وفي السابق افيد ان الاميركيين اقنعوا الاسرائيليين بتقليص المساحة، وبدأت مفاوضات ما بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي حول ترسيم الحدود البحرية ولا تزال متوقفة.
قبل بضعة اشهر اعلن وزير الخارجية الروسي وهو الديبلوماسي البارع الذي تولى تمثيل بلاده سنوات في الامم المتحدة، ان روسيا تستطيع ممارسة التنقيب من دون تدخل الاسرائيليين وان هنالك اتفاقًا ما بين الطرفين.
سافر الوزير باسيل الى روسيا لمباحثة لافروف حول هذا التصريح ولم يكن وزيرًا، وحينما طلب ايضاحات من لافروف اجابه انت لست وزير طاقة لبنان، ونحن لدينا اتفاق معكم حول توزع عائدات الاكتشافات، فاذا خالفنا التزاماتنا لكم ان تلاحقونا في القضاء الدولي. وهكذا انتهى الاجتماع.
في المقابل وقبل 4 سنوات ونيف، وفي ندوة عن شؤون النفط عقدت بدعوة من مركز الدراسات الاستراتيجية للجيش اللبناني، كان هنالك حديث عن الاختلاف مع اسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية جنوبًا ومع سوريا شمالا.
توجهت الى المحاضر من قِبل ضباط الجيش الكبار بالسؤال: هل المفاوضة مع اسرائيل اصعب من المفاوضة مع سوريا؟ فكان جوابه ان التفاوض مع سوريا هو الاصعب. هنا نتوقف لنقول ان المنطقة البحرية السورية المتاخمة للبنان يحوز حقوق البحث والتنقيب فيها الجانب الروسي، وان هذه المنطقة محاذية لمياهنا الاقليمية، وتاليا اذا وجد الروس في تلك المنطقة النفط او الغاز يمكنهم الاعتماد على استعمال منشآت تخزين النفط والغاز المنجزة في لبنان، والتي توافر من السلطات اللبنانية اتفاقٌ لروسيا لحفظ منشآتها وتطويرها… وبالتالي حظوظ النفط شمالاً وجنوبًا هي في ايدي روسيا.