كرّس مجلس النواب في جلسته التشريعية سياسة الترقيع والهروب إلى الأمام، ولولا لسعات الحر نتيجة تعطّل مكيّفات التبريد في قاعة الأونيسكو، لبقي النواب والوزراء المشاركون في كوكبهم الخاص، بعيدًا عن معاناة المواطنين من جرّاء انقطاع التيار الكهربائي معظم الأوقات، فضًلا عن ساعات الذل اليومية أمام محطات الوقود وفي الصيدليات والمستشفيات.
أعتقد النواب أنّهم أدّوا قسطهم للعلى في إقرار البطاقة التمويلية، وهم المدركون أنّ البطاقة هذه، وغيرها من الإجراءات الترقيعية، ستؤجّل الإنفجار الإجتماعي بأحسن الأحوال، ولكنّها ستبقى عاجزة عن وقف مسار جنون الأسعار وقفزات الدولار، وفرملة انهيار القطاع الصحي وغيره من القطاعات. كلّهم عارفون أنّ الحلّ الوحيد في مكان آخر، يبدأ بتأليف حكومة موثوقة عربيّا ودوليًّا، ولكنّهم تقاذفوا تهم تعطيل تأليف الحكومة على جري عادتهم، ومضوا بإقرار البطاقة، على قاعدة أنّ المجلس النيابي قام بما عليه، وأنّ الكرة في ملعب الحكومة، بحيث يقع على عاتقها البحث عن مصادر التمويل، وتحديد آليات التطبيق، والمعايير الواجب توافرها في المستفيدين من البطاقة.
من حيث لا يدري، أو ربما يدري، اعترف المجلس النيابي أنّ الشعب اللبناني بات متسوّلًا على أبواب الجهات المانحة، ليس لأنّه شعب كسول غير منتج، بل لأنّ رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، الموجود غالبًا خارج البلاد، وفق ما قال النائب جورج عدوان، لم ينتجا حكومة تنقذ البلاد والعباد، متذرعين بأسباب أقل ما يقال فيها أنّها تكرس حال الإنفصال عن واقع الشعب المقهور. أمّا البطاقة هذه، فأمامها مسار طويل لتطبّق على أرض الواقع، بمعزل عن مهلة الخمسة عشر يومًا التي حدّدها المجلس النيابي للحكومة، كي تنجز كلّ المعايير المتعلقة بداتا الأسر المستفيدة وكيفية التمويل.
حكومة تصريف الأعمال ليست بعيدة عن “شيزوفرينيا” السلطة، رئيسها حسان دياب لم يتكبّد عناء المشاركة في الجلسة التشريعية، فأرسل قلّة من الوزراء مع كتاب “بنيّة الحكومة وعزمها إتخاذ الإجراءات المتعلقة بالبطاقة التمويلية وفق صلاحياتها”. واللافت أنّ الوزراء المعنيون مباشرة بالبطاقة التمويلية تغيّب بعضهم عن الجلسة، ولا عجب، فهم مستقيلون من تصريف الأعمال حتّى، وفي مقدمة هؤلاء الوزراء الكسولين، وزير الإقتصاد راوول نعمة المعني فقط برفع سعر ربطة الخبز على ما يبدو.
إقرار البطاقة على هذا النحو وصفه عضو كتلة “الوسط المستقل” النائب نقولا نحاس لـ “لبنان 24” بأنّه يشتمل على مشهدية ضبابية، “فهناك انعكاسات للبطاقة، وفي حال لم تدرس كما يجب تفقد البطاقة جزءًا من فعاليتها. وهناك استثناءات يجب أن تحدّد بشكل دقيق، مع وجود عائلات تستفيد من برامج أخرى من البنك الدولي والإتحاد الأوروبي ومن المساعدات التي يوزّعها الجيش، بالتالي تحديد المستفيدين يقع على عاتق الحكومة ولا زال بحاجة إلى الكثير من الدرس”.
إشكالية أخرى لفت إليها نحاس حول مصادر تمويل البطاقة “خصوصًا أنّ كل ما تم ّالإشارة إليه بشأن التمويل هو في إطار الإفتراضات ليس إلّا، ولا يمكننا البناء على افتراضات، من هنا طرح بعض النواب وأنا منهم، احترام المادة 95 من قانون النقد والتسليف، التي تنصّ على تشاور الحكومة مع المصرف المركزي ووضع خطّة متكاملة وشاملة، وما تمّ في مجلس النواب عبارة عن وضع خطوط عريضة، يجب أن تفنّد بشكل واضح ودقيق في خطّة الحكومة المفترضة”.
نحاس اعتبر أنّ عن مهلة الخمسة عشر يومًا للحكومة لإنجاز آليات تطبيق البطاقة ليست كافية.
وبدل أن يعمد مجلس النواب لإقرار قوانين تحمي أموال المودعين وتمنع التهريب الناشط، تجاهل اقتراح قانون “إنزال أشدّ العقوبات بمهربي السلع المدعومة” وقفز فوقه مُعيده إلى اللجان في أكثر الأزمنة حاجة إليه، وأقر البطاقة مع فتح اعتماد استثنائي لها بقيمة 556 مليون دولار في الموازنة، أيّ بتشريع مدّ اليد على أموال المودعين، لتمويل الجزء الكبير غير المغطّى بقرض البنك الدولي، على رغم اعتراض عدد من النواب المستقلّين وكتلة اللقاء الديمقراطي. ومهما حاول المجلس تجميل هذا الواقع، بالكشف عن موافقة صندوق النقد الدولي على استعمال لبنان لحصّته في الصندوق البالغة 900 مليون دولار، والتي من شأنها تمويل البطاقة، لكن هذا الإفتراض مجرد عصفور على الشجرة، طالما أن لا حكومة تتفاوض مع صندوق النقد.
لبنان 24