لم يبقَ أَحدٌ تقريبًا، إِلَّا وانتقد رئيس “التيّار الوطنيّ الحُرّ” النّائب جبران باسيل، على “طلب مُساعدة صديقه” الأَمين العامّ لـِ”حزب الله”، السيّد حسن نصر الله، في حلّ الاشتباك السّياسيّ بين “التيّار” و”حركة أَمل”… بدءًا بـِ”أَهل البيت” المسيحيّ، الّذين زَوَّروا “الدّعوة الباسيليّة”، وجنحوا في تزويرهم هذا نحو “الذميّة وأَهلها”… كما ولم تنفع معهُم توضيحات السيّد نصر الله في مُؤْتمره الصّحافيّ يوم الجُمعة الماضي، بل استمرّوا في غيّهم وتضليلهم… إِلى أَن أَثبتت الوقائع أَنّ باسيل كان مُصيبًا، لا بل “حكيمًا” في مُعالجة اشتباكه مع الحركة… على النّحو الّذي اعتمده، وأَنّه أَظهر في هذا الإِطار نُضجًا سياسيًّا وحسًّا وطنيًّا… وأَنّه إِلى ذلك كُلّه… ليسَ “مِن مُعرقِلي” التّشكيل الحُكوميّ، كما جرت العادة على وصفه!…
والدّلالة الأُولى على صواب “مُبادرته” هذه، لحلّ العقدة المُستَحدَثة المُعيقة للتّشكيل الحُكوميّ، الّذي هو الخُطوة الأُولى نحو بدء الحُلول لمُواجهة خطر الانفجار الشّعبيّ والانهيار الوطنيّ الشّامل… صُدور بيانٍ لـ”التيّار الوطنيّ”، مفادُه دعوةٌ إِلى المُناصرين للتّهدئة الإعلاميّة مع “أَمل”، وقد تلته أَيضًا دعوة مِن “الحركة” إلى مُناصريها للتّهدئة.
كما وأَظهرت “المُبادرة الباسيليّة” أَيضًا، تماسُكًا في ما كان يُعرف بـ”فريق 8 آذار”، في مُقابل ما شوهِد مِن تشتُّتٍ في الشّارع الآخر، حيثُ بدا المشهد وكأَنّ الدفّ قد “انفخَتَ وتفرّق العُشّاق”، كُلٌّ إِلى مصالحه الشّخصيّة وحساباته الحزبيّة، مع تسجيل تمايُزٍ في هذا الإِطار لرئيس “الحزب التقدُّميّ الاشتراكيّ وليد جنبلاط، الّذي يتقدّم على الآخرين من فريق “14 آذار”، بمُقاربةٍ وطنيّةٍ جامعةٍ يعمل لها استشعارًا منه بخُطورة الوضع الرّاهن، وبالنّظر إِلى المآسي الّتي لحقت باللُبنانيّين مُنذُ اندلاع حراك “الهيلاهو” في 17 تشرين الأَوّل 2019، إِلى اليوم.
وفي هذا المجال لا بُدّ مِن الإِقرار بأَنّ “حراك الهيلاهو” و”الثّورة على باسيل والعهد” ليْسَا سببًا في كُلّ ما وصل إِليه لُبنان، بسبب الفساد، بل إِن مسؤوليّة الحراك الشّعبيّ تقتصر على كَونه جاء “ليُكحّل الوضع فعَماه”!. إِنّه حراكٌ عفويٌّ تأَخّر كثيرًا… وحتّى يوم الجُمعة الماضي، كي يعلم أَنّ “الهيلاهو” والتّركيز في الشّتيمة والاستهداف الشّخصيّ على باسيل ومقام الرّئاسة الأُولى، وقطع الطّرق وأَعمال الشّغب المجّانيّ… كُلّها خطواتٌ لن تجعل “الحراكيّين” يُلامسون –ولو مُلامسةً– الأَهداف النّبيلة الّتي رفعوها في 17 تشرين الأول 2019… إِلى أَن أَتت رياح التّغيير من عاصمة الشّمال، إِذ كم كان مُعبّرًا وذا دلالاتٍ… مشهد المُحتجّين في طرابلس، الّذين نظّموا، وبدءًا مِن الجمعة 25 حزيران 2021، مسيراتٍ في شوارع عاصمتهم الشّماليّة، مُستخدمين الدرّاجات، وقد عرّجوا على منازل النُوّاب والسّياسيّين في المدينة، مُندّدين بـ”تردّي الأَوضاع وارتفاع الأَسعار مُجدّدًا، وبالسّياسات الحُكوميّة، وغياب الدّولة ومُؤسّساتها عن القيام بواجباتها”… ما أَرهق البِلاد والعِباد، وأَدّى إِلى انهيار الليرة في مُقابل الدُّولار، وشللٍ في مُختلف القطاعات… وقد طالب المحتجّون في جولتهم التّحذيريّة الأُولى للمسؤولين الشّماليّن، بـ”إِزالة الطّبقة السّياسيّة”!… لقد أَثبت “المارد الطّرابلسيّ” في انتفاضته تلك، أَنّه قد خرج من مصباحٍ لطالما دُجّن فيه… حتّى احدودب ظهره، فأَيقن أَنّ المُشكلة ليست حصرًا في المصباح، بل وفي بُيوتاتٍ سياسيّةٍ لطالما دجّنت شعبًا طرابلسيًّا عظيمًا في القمقم، إِفساحًا منها في المجال، للمُضيّ قُدمًا في الاستيلاء على خيرات البلاد، وسلب حُقوق العباد، حتّى انتفض الشّعب الشّماليّ لكرامته، وصحّح مساره، وانتقل مِن شارعٍ يعبره الصّالح والطّالح… إِلى أَوكارٍ تنبعث منها روائح الفساد المُستشري!.
والطّربلسيّون الّذين استقبَلوا حراك 17 تشرين الأَوّل 2019 بالطّبل والزّمر والموسيقى، استقبلوه في 25 حزيران 2021 في شكلٍ مُغايرٍ، في “عزّ” عيد الموسيقى هذه السّنة، فهل مَن يعتبر؟، وهل مَن يقرأ هذا المُعطى الجديد؟!.
لا نقول هذا من قبيل التّحريض –لا سمح الله– بل مِن باب القراءة التّحليليّة للانتفاضة الطّرابلسيّة، فهل مَن يعتبر مِن أَصحاب الشّأن، المنقولة إِليهم الرّسالة في وضوحٍ ما بعده وضوح؟.