كتب أنطوان فرح في “الجمهورية”:
توحي المؤشرات القائمة بأنّ عملية شدّ الحبال ستتمحور في المرحلة القصيرة المقبلة حول السيولة بالليرة. ورغم الشكوى من التخمة في كمية النقد الوطني في السوق، إلّا انّ ذلك لن يمنع بروز أزمة فقدان الليرة النقدية بسبب الإجراءات المتعلقة بتنفيذ التعميم 158.
منذ بدأت المنصّة المركزية عملها، تُطرح علامات استفهام حول الوظيفة التي تؤدّيها، خصوصاً بعدما تبيّن انّها لن تحلّ مكان السوق الحرة، وستكتفي ببيع الدولار على سعر 12 الف ليرة. وزادت التساؤلات والشكوك، بعدما اتضح ايضاً، انّها عاجزة عن تأمين الشفافية التي كان يؤمل ان توفّرها لمصرف لبنان لكي يطّلع على حجم السوق، وعلى احتمال وجود مضاربات مشبوهة. وأخيراً، أُضيفت اشكالية جديدة، بعدما ارتفع سعر صرف الدولار في السوق الحرة ووصل الى عتبة الـ18 الف ليرة، وقد يبلغ محطة الـ20 ألفاً في فترة وجيزة. هذا يعني انّ الفارق بين سعر المنصّة اليوم والسعر الحقيقي وصل الى حوالى 50%. وبالتالي، من يشتري الدولار من المنصّة ويستورد بضائع للاستهلاك يحقق ارباحاً اضافية غير شرعية نسبتها 50%، بالاضافة الى نسبة الارباح الشرعية. فكيف يكون مسموحاً الاستمرار في عمل المنصّة وفق هذا النمط، وما هي الوظيفة التي تؤدّيها هذه المنصّة؟
الجواب، انّ مصرف لبنان يستعمل المنصّة، لسحب اكبر كمية ممكنة من النقد الوطني من السوق، بهدف التخفيف من حجم الكتلة بالليرة، بحيث لا يضطر الى طباعة كامل الكمية التي يحتاجُها تنفيذ التعميم 158، وهي حوالى 26 تريليون ليرة. لكن المفارقة هنا، انّ المركزي يدفع مبالغ طائلة بالدولار من احتياطي العملات لديه من اجل استعادة ليرةٍ طبعها وضخّها في السوق سابقاً. والطريقة المُستخدمة لإعادة سحب قسم من الليرات تنطوي على ظلامة، لأنّ مستوردين كباراً يستفيدون منها من دون وجه حق.
وفي السياق نفسه، يندرج اقتراح المركزي دعم المحروقات على تسعيرة 3900 للدولار، وهو اجراء يزيد من حجم الإنفاق من احتياطي العملات وليس العكس. اذ انّ الكميات ستبقى على حالها، مع فارق انّ المركزي سيدفع 100% الفاتورة بالدولار، في حين كان يدفع 85% منها بالدولار وفق الطريقة السابقة في الدعم. كذلك لا تخفّف هذه الطريقة من حجم التهريب، وهي بالكاد خفّضت نسبة ارباح المُهرّب بسبب ارتفاع سعر الدولار الى 18 الف ليرة، بحيث انّ كلفة صفيحة البنزين على المهرّب لا تزال في حدودالـ4 دولار، مقابل 3,75 دولارات كان يدفعها يوم كان سعر الدولار 12 الف ليرة. وبالتالي، الهدف الوحيد من اتباع هذه الطريقة هو سحب مزيد من الكتلة النقدية بالليرة. وهنا ايضاً يبدو الاسلوب ظالماً في حق المواطن، على اعتبار انّه يرفع سعر المحروقات بنسبة 35%، من دون ان يوفّر في عملية الإنفاق من الاحتياطي الالزامي.
هذه الإجراءات تُنذر بأزمة سيولة بالليرة سوف يواجهها القطاع المالي. وقد باشرت مصارف، وفي موازاة شراء الدولار من السوق الحرة، شراء السيولة بالليرة أيضاً. وهذا ما يفسّر خفض سقوف السحب من الودائع الدولارية على 3900 الى 1000 دولار فقط في الشهر. وهذا المبلغ مجحف ايضاً في حق المودعين، لأنّه لا يكفي العائلات شهرياً، وبالتالي سيكون المواطن امام خيارين: إما سحب المزيد من الاموال على تسعيرة 1500 ليرة للدولار، ويكون بذلك يُخضع نفسه لاقتطاع اختياري (optional haircut) نسبته على التسعيرة الحالية للدولار حوالى 92%، أو سيلجأ الى استخدام دولاراته البيضاء التي خبأها في منزله ليومه الاسود. وفي الحالتين، سيكون المودع مظلوماً.
في موازاة هذا الوضع، يساهم البدء في تنفيذ التعميم 158 في اعادة الروح الى مودعين صغار، لاسيما هؤلاء الذين لا تتجاوز مدخراتهم اليوم الـ10 آلاف دولار، سيستردون منها في غضون سنة حوالى 6 آلاف دولار (هيركات بنسبة 40%)، اذا استمر منحى سوق الصرف كما هو اليوم، وحوالى 7500 دولار (هيركات بنسبة 35%)، اذا اعتبرنا حصول معجزة أوقفت انهيار سعر صرف الليرة وأبقتها على سعرها الحالي.
لكن الاسئلة التي ستُطرح لاحقاً، ومع انتهاء مهلة السنة، ومرور الاستحقاق الانتخابي اذا حصل في موعده، ما مصير بقية الودائع، وما مصير القطاع المالي برمته، وما مصير البلد وناسه؟