إيفا أبي حيدر
صحيح أنّ ارتفاع سعر صفيحة البنزين الى 60 أو 62 الفاً اعتباراً من منتصف هذا الاسبوع يبقى رقماً مقبولاً لعدد كبير من الأسَر، الّا انّ ما سيترافق مع هذه الزيادة من ارتفاعات على السلع الغذائية والاستهلاكية ستكون وطأته كارثية على شريحة كبيرة من اللبنانيين. وبإعلان هذه الزيادة يمكن القول انّ العد العكسي للانفجار الاجتماعي قد بدأ.
ينظر البعض الى قرار خفض الدعم عن المحروقات من 1500 ليرة الى 3900 ليرة وما سينجم عنه من ارتفاع في أسعارها على انه سيساهم في مكافحة التهريب الى سوريا، وأنه سيخفّض من طوابير الذل على المحطات وسيدفع بالمواطنين الى خفض استهلاكهم من المحروقات… لكن ما غاب عن بال هذا البعض تداعيات هذا القرار على الوضع الاقتصادي للأسَر التي ستزداد تدهوراً بغضّ النظر عمّا اذا كانت تملك وسيلة تنقّل ام لا، لأنّ كلفة النقل تدخل في تسعيرة كل السلع والخدمات وبالتالي ينبغي ان نتوقّع موجة ارتفاعات جديدة في الأسعار بغضّ النظر عن ارتفاع سعر الدولار الى مستويات قياسية نهاية الأسبوع، والتي قاربت الـ 18000 ليرة.
وفي السياق، أكد الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين انّ خفض الدعم على استيراد المحروقات من 1500 ليرة الى 3900 ليرة سينعكس ارتفاعاً في أسعار السلع والخدمات على السواء، لأنّ هذه الخطوة ستزيد من اكلاف النقل. وقال لـ«الجمهورية»: في حال لم يتم دعم قطاع النقل العمومي فإنّ تسعيرة السرفيس سترتفع الى 6000 ليرة متأثرة بارتفاع أسعار المحروقات، كما انّ ارتفاع كلفة النقل سيرفع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية بالحد الأدنى ما بين 2 الى 5 % وذلك بحسب نوع الصناعة ومنطقة التصنيع. أضف الى ذلك انّ انقطاع الكهرباء يضطرّ الصناعيين الى تشغيل المولدات لتوليد الطاقة ساعات اكثر، وبالتالي باتوا يحتاجون الى كمية محروقات اكثر. وتوقّع شمس الدين، ومن خلال جمع عاملَي ارتفاع الدولار في السوق الموازي ووصوله الى 17700 ليرة الى جانب ارتفاع كلفة النقل، ان ترتفع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية نحو 10%.
أما في حال تم تحرير سعر الدولار ورفع الدعم كلياً عن كل شيء استناداً الى سعر صرف 15 الفاً، فإنّ أسعار الادوية ستزيد بين 10 الى 11 ضعفاً بحيث انّ الدواء الذي يبلغ سعره اليوم 10 آلاف ليرة سيرتفع سعره الى ما بين 100 ألف و110 آلاف ليرة، اما المواد الغذائية فسترتفع الى ما بين 3 الى 4 اضعاف.
وردا على سؤال، أوضح شمس الدين انّ تسعيرة المحروقات ما عادت ترتبط بسعر الدولار في السوق الموازي إنما فقط بسعر برميل النفط عالمياً، لأنه من خلال القرار الجديد سيؤمّن المصرف المركزي كامل ثمن المحروقات وفق سعر صرف 3900 ليرة أي ما عاد مطلوباً من الشركات ان تؤمن ما نسبته 15% من ثمن الاستيراد من السوق الموازي. وعليه، استناداً الى سعر برميل نفط 75 دولاراً فإنّ سعر صفيحة البنزين سترتفع الى 60 الفاً والمازوت الى 45 الفاً.
نصراوي
من جهته، أكد نائب رئيس جمعية الصناعيين جورج نصراوي لـ«الجمهورية» أنّ ارتفاع تسعيرتَي المحروقات والدولار في السوق الموازي سينعكس ارتفاعاً في أسعار السلع المنتجة محلياً والمستوردة على السواء، إنما بتفاوت.
على الصعيد المحلي، وبعد ارتفاع أسعار المحروقات المتوقعة اعتبارا من هذا الأسبوع، ستزيد كلفة النقل التي تدخل في تسعير صناعة المنتج إنما هذه الزيادة تختلف بين منتج وآخر لأنّ لكل منتج خصوصيته وفق نسبة اعتماده على المحروقات في التصنيع. على سبيل المثال، انّ السلع التي تعتمد بشكل رئيسي على الطاقة المكثفة بنسبة تتراوح بين 35 الى 40% مثل صناعة الكرتون، ستزيد كلفة إنتاجها بنسبة اعلى من غيرها، بينما بعض المصانع التي لا تحتاج خلال الإنتاج الى مولد البخار إنما فقط الى مولد للكهرباء فنسبة الارتفاع باستهلاكها للمازوت ستكون ضئيلة بحيث لا تتعدى كلفتها من الإنتاج نسبة 2%، إنما المشكلة تكمن في انّ ارتفاعات ساعات التقنين تضطرّهم الى تشغيل مولداتهم ساعات أطول لتأمين التغذية، لذا زاد سعر الكلفة على السلعة.
وشرح نصراوي انّ تسعيرة السلع تتأثر اليوم بعاملين، الأول ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي، والثاني ارتفاع أسعار المحروقات ويضاف الى ذلك إقدام كل المصانع على رفع الحد الأدنى للأجور وإعطاء زيادات لعمالها على اعتبار انه شريك في الإنتاج، فكل هذه العوامل مجتمعة أدّت الى زيادة في كلفة الإنتاج تبدأ اعتباراً من نسبة 3% وما فوق وتزيد خصوصاً عند الصناعات التي تعتمد على الطاقة المكثفة.
أما السلع المستوردة فمن المتوقع ان تزيد أسعارها متأثرة بفارق ارتفاع الدولار أي ليس اقل من 12 الى 13%.
وفي هذا الاطار، طالبَ نصراوي وزارة الاقتصاد بالسماح بتسعير السلع في السوبرماركت بالدولار على ان يتم الدفع على الصندوق بالليرة اللبنانية وفق تسعيرة الدولار في السوق الموازي، إذ من شأن اعتماد مثل هذه الخطوة ان تكون أكثر إنصافاً للمستهلك، لأنّ كل تاجر او صناعي يسعّر السلع راهناً وفق سعر الدولار الموازي إنما مع هامش إضافي تجنّباً للخسارة نتيجة التقلّب الدائم في سعر الصرف.
من جهة أخرى، كشف نصراوي انّ فقدان مادة المازوت من السوق، وبعد قرار المملكة العربية السعودية وقف استيراد الصناعات الغذائية من لبنان، قد يدفع بعض المعامل الى إقفال مصانعها في لبنان نهائياً والانتقال الى الخارج. والملاحظ انّ هناك هجمة كبيرة خصوصاً الى السعودية ودول الخليج الذين يقدّمون تسهيلات مشجعة للصناعي اللبناني مستفيدين من خبراته ومهاراته. وأسف نصراوي لأنه رغم كون القطاع الصناعي اللبناني مدماك أساسي في البلد كونه يشغّل أكثر من 190 الف عامل ويعتبر مصدراً هاماً لإدخال النقد النادر وإعادة النهوض بالاقتصاد، لا احد يكترث له، بل هناك محاولات لضربه كما حال بقية القطاعات.