مع إنهيار القوة الشرائية بالليرة لأجور ذوي الدخل المحدود والدخل المرتفع على حد سواء، لم تتعلم الأطراف الثلاثة المعنية بالموضوع: الدولة وأصحاب الأعمال والعمال، من الكارثة المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية التي تسببت بها سلسلة الرتب والرواتب والتي كانت عبارة عن ترقيع مرتجل لثوب رث أدّى الى تمزيق الثوب بدّل إصلاحه.
والآن تعود النغمة ذاتها في زيادات لا تقرّ حتى تتبخّر، وتلحق أضرارا تضخمية بالعمال وأصحاب الأعمال إضافة الى أضرارها بمعدلات الانتاج وبالقوة التنافسية للاقتصاد في معركة المزايا التفاضلية بين لبنان والدول المنافسة المجاورة والبعيدة، لا سيما بعد أن فتحت إسرائيل لها طريقا تصديريا على مستوى المنطقة، فيما تحضر الصين لغزوات اقتصادية على مستوى العالم بسلع زهيدة الثمن من مختلف المنتجات التي لا تستطيع دول الأسواق الناشئة منافستها – مثل لبنان – بأكلاف متزايدة من مواد خام وتقنيات جديدة وأجور مرتفعة لا تفيد العمال وتلحق أضرارا بالاقتصاد، بديلا عن خطة إنمائية تزيد الناتج الاجمالي في إطار رؤية استراتيجية إصلاحية شاملة تتضمن إصلاح القطاع العام وجعل القطاع الخاص أكثر تنافسية وكفاءة ومهنية إنتاجية، وإنشاء شبكة أمان إجتماعية مستقرة لا تهتز بعوامل التضخم والأزمات الاقتصادية والمالية الطارئة من النوع الذي يعاني الآن منه لبنان الذي حلّ بين طليعة دول العالم الأكثر غلاء في مختلف أنواع السلع والخدمات بدءا من سعر صفيحة البنزين والمازوت وقارورة الغاز الى ٤٣٠٠٠ ليرة و٣٠٠٠٠ ليرة و٢٥٢٠٠ ليرة على التوالي، وسعر ربطة الخبز الذي إرتفع بأكثر من الضعف رغم كل الدعم المقدم لها ووصلت الى ٣٢٥٠ و٣٠٠٠ و٢٢٥٠ و٢٠٠٠ ليرة حسب وزن الربطة (وصولا الى احتمال ارتفاع سعر المنقوشة الى ١٠ آلاف ليرة).
مع ما لحق من إرتفاع في أسعار باقي السلع والخدمات في ما بين الفصل الأول لعام لسنة ٢٠٢٠ والفصل الأول لهذا العام، ومنها أسعار باقي المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية بإرتفاع ٣٩٤% وأكلاف النقل ٢٣٤% والألبسة والأحذية ٥٤٦% والأثاث والتجهيزات المنزلية ٦٩٣%. وهذا عدا الارتفاع الحاصل بنسبة ٧٢١% في قطاع المطاعم والفنادق و٢٤٩% في قطاع الاستجمام والتسلية والثقافة والاتصالات ١٠% (المصدر: مؤشر جمعية تجار بيروت – فرنسبنك) فيما واصل مؤشر غلاء المعيشة الرسمي الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي ارتفاعه خلال الفصلين المشار إليهما بين ٢٠٢٠ و٢٠٢١ بنسبة ١٥٨% مقابل الإرتفاع السابق بنسبة ١٤٦%.
وتحت وطأة هذه المعاناة تتصاعد هجرة اللبنانيين ممن يجدوا سبيلا لهم للهجرة، وذلك حسب دراسة بعنوان (المتحمسون للهجرة من مختلف الأعمار – لتوفيق عبد الله سلوم – الجامعة اللبنانية – قسم علم النفس) أشارت الى أنه بين كانون الثاني وتشرين الثاني ٢٠١٩ غادر لبنان ٦١ ألف و٩٢٤ لبنانيا مقارنة بـ٤١ ألف و٧٦٦ لبنانيا خلال الفترة نفسها من العام ٢٠١٨ أي بزيادة ٤٢% فيما الدولة لا تبالي بأي إصلاح أو تحديث بدليل أن ٧٤ قانونا أقرّهم مجلس النواب منذ العام ٢٠١٨ ولم يطبقوا، أضيف إليهم في العام ٢٠٢٠ وهذا العام رزمة جديدة مثل قانون سرية المصارف (لسنة واحدة فقط) وقانون إستعادة أموال الفساد، وقوانين تحت النظر مثل الشراء العام والكابيتال كونترول واستقلالية القضاء والتدقيق الجنائي الذي يتعثر بانتظار انتهاء مدة صلاحيته دون نتيجة
المصدر : اللواء – ذو الفقار قبيسي