كتبت رنى سعرتي في “الجمهورية”:
لا توحي المؤشرات المحيطة بموضوع البطاقة التمويلية بأنها ستقلع عمّا قريب، وستكون البديل العادل لعملية رفع الدعم، والتي ستؤدي الى ارتفاع دراماتيكي في نسَب التضخّم، بما سيؤدي الى صعوبات إضافية سيواجهها المواطن والاقتصاد في آن.
في الأسباب الموجبة لقانون البطاقة التمويلية المُقترح، ترى الحكومة ضرورة قصوى لدعم القدرة الشرائية للشرائح الاجتماعية، لا سيما الأسَر الاكثر فقراً تعويضاً للخسارة التي منيت بها. لكن في الحقيقة، لو لم يصل احتياطي مصرف لبنان الى خطوط حمر لا يمكن لأي ضغط سياسي ان يسمح بتخطّيها، أي بمعنى آخر، لو لم تنضب دولارات المركزي وتنقطع الادوية والمستلزمات الطبية وحليب الاطفال، ولولا ذلّ الطوابير في محطات المحروقات، ولو لم تطفئ مولّدات الكهرباء محركاتها… لما كانت السلطة التشريعية قد همّت بإقرار البطاقة التمويلية بعد هدر مليارات الدولارات على سياسة دعم فاشلة زادت الفقير فقراً والميسور يسراً.
وعلى غرار كافة الاجراءات الاصلاحية التي تأتي متأخرة لدرجة فقدانها جدواها، تبحث اللجان النيابية في مشروع قانون إقرار البطاقة التمويلية وفتح اعتماد اضافي استثنائي لتمويلها الذي عدّلته اللجنة الفرعية، والذي سيجيز للحكومة إصدار بطاقة تمويلية لمدة سنة كاملة وفتح اعتماد استثنائي بقيمة 360 مليون دولار أي ما يعادل 542,520,000,000 ليرة في الموازنة العامة لعام 2021 قبل تصديقها، على أن يغطى الاعتماد المفتوح بزيادة تقدير واردات موازنة 2021 الاستثنائية وفقاً لما يلي: الواردات الاستثنائية، القروض المعقودة من الدولة لصالح الخزينة، القروض الداخلية (ونخفض قيمتها في حال الحصول على هبات مخصصة او قروض تعقد لهذه الغاية)، وسندات خزينة داخلية.
ومن شأن إقرار البطاقة التمويلية، وفقاً لمشروع القانون، أن يوسّع قاعدة العائلات المستفيدة لتصبح حوالى 500 ألف عائلة تستفيد من مبلغ قيمته الوسطية 93 دولاراً شهرياً لمدة سنة. مع العلم انّ من يستفيد من البرامج الدولية الممولة من البنك الدولي والاتحاد الاوروبي، لا يستطيع الافادة من البطاقة التمويلية، التي ستكون محصورة باللبنانيين المقيمين في لبنان فقط. وسيتم استثناء اصحاب الودائع الذي سيستفيدون من التعميم 158 الذي سيجيز لهم سحب 400 دولار نقداً شهرياً من ودائعهم. امّا الاشخاص الذين يملكون حسابات في المصارف ولن يستفيدوا من التعميم 158، فسيحق لهم سحب مبلغ مواز للبطاقة أي 93 دولاراً شهرياً من ودائعهم للتخفيف من عدد المستفيدين من البطاقة التمويلية.
تجدر الاشارة الى انّ المبلغ الشهري المحدد بـ93 دولاراً، لن يحصل عليه المستفيدون من البطاقة التمويلية، نقداً بالدولار، بل يمكن استخدامه من خلال بطاقات ائتمانية في كافة نقاط البيع، وقد يتاح سحب مبلغ بسيط منه بالليرة للاستخدام الشخصي لأنّ وسيلة الدفع بالبطاقات غير متوفرة في كافة المحال التجارية.
وشرح رئيس اللجنة الفرعية التي عدّلت القانون النائب ياسين جابر لـ»الجمهورية» انّ البطاقة التمويلية تَطال الاسرة الواحدة فقط وليس افراد الاسرة الواحدة، موضحاً انّ برنامج البنك الدولي ESSN وهو قرض بقيمة 246 مليون دولار منه 190 مليون دولار لدعم العائلات الاكثر فقراً، وبرنامج الاتحاد الاوروبي NPTP للفقر المدقع وهو هبة بقيمة 50 مليون دولار، يستفيد منهما حوالى 250 الف أسرة، بمبلغ شهري يوازي المبلغ المحدد في البطاقة التمويلية والذي تم اعتماده وفقاً للدراسات التي قام بها البنك الدولي، وبالتالي فإنّ المستفيدين من هذين البرنامجين لن تستهدفهما البطاقة التمويلية.
وبما انّ المستفيدين من تعميم مصرف لبنان 158 بالاضافة الى اصحاب الحسابات المصرفية غير المستفيدين من التعميم 158، فإنّ عدد المستهدفين من البطاقة التمويلية وفقاً للدراسات والاحصاءات التي قامت بها الحكومة، سينخفض بنسبة 35 في المئة ليتراجع من 500 الف عائلة الى حوالى 325 الف عائلة.
وشدّد جابر على انّ كافة الارقام حول عدد المستفيدين من البطاقة التمويلية تبقى في سياق التقديرات الى حين البدء في تنفيذ البطاقة وإحصاء العدد الفعلي للاشخاص الذين سيتقدمون للحصول على البطاقة، وسيستوفون الشروط والمعايير المطلوبة والتي سيتم تحديدها لاحقاً بعد إقرار القانون بمرسوم تنظيمي حكومي.
وحول اشتراط نواب تكتل الجمهورية القوية ربط إقرار البطاقة التمويلية بقانون لرفع الدعم وعدم المَس بالاحتياطي الالزامي، أشار جابر الى انّ الدعم لم يُعتمد من خلال قانون بل عبر قرارات، وبالتالي لا علاقة لقانون البطاقة التمويلية به.
بالاضافة الى ذلك، ينصّ القانون المقترح على رفع السرية المصرفية عن كل مقدّم طلب الاستفادة من البطاقة التمويلية، وعلى المصارف تسديد المبلغ المحدد في هذه البطاقة شهرياً لكافة العملاء الذين لديهم حسابات دائنة وتتوافر فيهم شروط الاستفادة منها.
وجاء في اقتراح القانون: تلغى استفادة الأسرة من البطاقة الائتمانية التمويلية الالكترونية في الحالات التالية:
– التزوير
– تكرار التسجيل أينما وجد
– عدم استيفاء الشروط القانونية للاستحقاق
– بيع بطاقة من الغير
– الاستفادة بصورة دورية ومباشرة من برنامج دعم دولي مقونَن ومعتمد في لبنان.
جلسة اللجان المشتركة
وفي هذا الاطار، بدأت اللجان المشتركة امس البحث في اقتراح قانون البطاقة التمويلية وفتح اعتماد اضافي استثنائي لتمويلها، ودارَ نقاش حول مصادر التمويل ومنصّة البيانات وحول القانون الذي سيرعى هذا الموضوع، وتم إرجاء الجلسة الى اليوم. واكد نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي انّ «مجلس النواب ليس بصدد النقاش حول رفع الدعم، او ان يكون رأس حربة رفع الدعم. لكن هناك أزمة حقيقية في البلد تحتاج الى بطاقة تمويلية وهذا هو موضوع النقاش، والمجلس يحاول ان يساعد في السبل التي تؤدي الى إقرار هذه البطاقة التمويلية كمصادر دعم وكمنصة بيانات».
من جهته، اعتبر النائب جورج عقيص انه يتم البحث في قانون البطاقة التمويلية من «دون ربطها بمسألة الدعم ورفعه وحتى بترشيد هذا الدعم».
وقال: «نريد البطاقة التمويلية ونريد ترشيد هذا الدعم الذي كان سياسة خاطئة فرضَته السلطة اللبنانية. السلطة السياسية أوصلتنا الى دعم سلع معينة وليس اشخاصاً او فئات، والى ان تهرّب هذه السلع وما زالت حتى اليوم، وكأنّ ما تريده هو عدم البحث في موضوع الدعم وإسكات الناس بالبطاقة التمويلية، ويستمر التهريب».
واعتبر عقيص انّ «التهريب هو مسألة استنزاف للخزينة اللبنانية والاحتياطي الالزامي الذي هو خط احمر، وأعلنا مراراً لن نقبل بتمرير قانون بطاقة تمويلية من دون إصدار قانون صريح يمنع المس بالاحتياطي الالزامي».
أضاف: «ليكن معلوماً انّ تكتلنا لن يسير في اي مشروع مجتزَأ يحوّل البطاقة التمويلية بما تبقى من وقت الى بطاقة انتخابية»، معتبراً انّ «النقاشات التي حصلت اليوم (امس) تحت قبة البرلمان معيبة حقاً في حق الشعب اللبناني وفي حق النواب، اننا نبحث بين 93 دولاراً و107 دولارات تُعطى للأسرة. أين اصبح الشعب اللبناني المسؤول عمّا فعلته به الطبقة السياسية؟ لقد آن لهذه الطبقة السياسية ان تعترف بفشلها وترحل ونذهب الى انتخابات نيابية مبكرة تأتي بسلطة جديدة تتصدّى لهذه المشاكل».