كتب ذو الفقار في “اللواء”:
الدورات الاقتصادية في حياة الدول بدأت جذورها الأولى في تفسير النبي يوسف لمنام فرعون مصر عن سبع بقرات عجاف تتلوها سبع بقرات سمان أي بعد سبع سنوات من القحط والعوز والفقر، تفتح الطريق لسبع سنوات من المؤونة والكفاية والازدهار.
وآخر نص قرأته عن ملامح السنة الأولى من السنوات العجاف في العديد من البلدان، يشبه الى حد بعيد ما يشهده لبنان الآن من أشكال الركود وهبوط معدل النمو الاقتصادي وضعف الطلب الى حد لا يدركه المنتجون في البداية فيبقى انتاجهم في نفس المستويات العالية، تتبعه صدمة في الأسواق تكشف عن وجود زيادة ملموسة في العرض يصعب التخلص منها وتترافق مع تسريح العمال، وتتحول بعدها مرحلة الركود الى كساد يعبّر عنه ما طالعته في نص آخر عن شلل النشاط الاقتصادي وارتفاع معدل البطالة وأزمة سيولة لدى المؤسسات المالية وحالات إفلاس للشركات والمصارف والإنهيار الاقتصادي، بما يشبه أيضا الى حد بعيد الأحوال أو الأهوال التي يمرُّ بها لبنان اليوم في ما يفترض حسب أحد أهم تعريف في العلم الاقتصادي للدورات الاقتصادية، أن يستمر لسبع سنوات عجاف، ليبقى السؤال بعدها عن أي نوع من السنوات السبع التي ستليها في حياة لبنان؟! وهل ستكون استمرارا للسنوات العجاف، أم ستتبعها سبع سمان يرى البعض ملامحها في المعطيات والوقائع والاستنتاجات التالية:
مقابل الصورة القاتمة الحالية، هناك صورة أخرى لاحتمالات مختلفة يحفل بها اقتصاد لبنان في مختلف مجالات الاستثمار في السياحة والخدمات والصناعة (رغم العولمة وتحدياتها) في إيجابيات عدة يمكن الإستفادة منها، مثلا في أن أكلاف اليد العاملة غير مرتفعة، وذات نوعية عالية. وهناك مستويات عليا في التعليم وانخفاض نسبة المخاطر الصحية أخيرا، وروعة الطقس والموقع القريب من أوروبا. ومفترض استثمار كل هذه المزايا وسواها للمساهمة في تحقيق سياسة اقتصادية سليمة عناوينها الرئيسية:
١- ضمان تضخم منخفض (بين ٥ الى ١٠% كحد أقصى) أي استقرار في الأسعار. ٢- معدل مرتفع للنمو متوازن في أداء جيد للقطاعات الاقتصادية. ٣- توفير فرص لليد العاملة والكفاءات والخبرات والمواهب. ٤- بل أولا وأخيرا: ضرورة التركيز على ترتيب بنية لبنان الاقتصادية الداخلية بالإصلاحات المطلوبة ماليا ومصرفيا وهيكليا وإداريا، ليس فقط من أجل توسيع مكتسبات المواطن من حصة الانتاج تحصينا للجبهة الداخلية، وإنما لخلق بنية قوية عصرية وشروط استثمار أفضل تمكّنه من المنافسة مع دول الجوار، بحيث يمكن استقطاب استثمارات عربية وعالمية. وبما يستدعي سياسة نقدية غير تقليدية لا يمكن للمنظومة السياسية الحالية بتناقضاتها الطائفية والمذهبية والمحاصصية استيعاب معطياتها. فإن كل تعاطي من هذه المنظومة وتدخلاتها في السياسات المالية والنقدية والاقتصادية، من شأنها أن تؤدي الى عكس النتائج المطلوبة لضبط حركة الأسواق ومنع الانزلاق الى أحوال رأينا نماذج عنها في محنة لبنان الراهنة، وفي العديد من الدول النامية وحتى بعض الدول المتقدمة!