استبشر اللبنانيون خيرا أمس وتنفسوا الصعداء، فرئيس الجمهورية ميشال عون لم ييأس “من وصول المبادرات الى حل مع وجود العقلاء، شرط عدم المساس بالدستور وبالصلاحيات التي أناط بها الى السلطات الدستورية وعلى رأسها مقام رئاسة الجمهورية”.
ربما فات فخامة الرئيس أن “يلي بياكل العصي مش متل يلي بِـ عدها” وهو يعدُها، بينما شعب لبنان العظيم يأكلها ويتألم منها وهو وصل الى مرحلة اليأس منذ فترة طويلة، نتيجة إنعدام الحلول وإنسداد الأفق السياسي.
هذا اليأس يتنامى مع كل إطلالة تلفزيونية أو تصريح أو تسريبة لأي من المعنيين بتشكيل الحكومة حيث يتنافس هؤلاء في صب الزيت على النار، وفي تقديم مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة الوطنية العليا، وفي تيئيس اللبنانيين الذين يترجمون ذلك إنتحارا، أو هجرة، أو إشكالات مسلحة يومية تتنقل بين كل المناطق وتزرع الرعب وتحصد القتلى والجرحى.
من الطبيعي أن لا ييأس فخامة الرئيس، فالكهرباء في قصر بعبدا متوفرة 24 ساعة على 24 ساعة، والتكييف فيه يكاد يصيب ضيوفه بنزلة برد، والانترنت بسرعته القصوى متوفر لتأمين التواصل مع العالم لزوم شرح هواجس جبران باسيل لناحية عدم إحترام الميثاقية وإعتماد المعايير في تشكيل الحكومة.
من الطبيعي الا ييأس فخامة الرئيس، فهو لا يمضي أربع ساعات يوميا على محطات المحروقات بإنتظار دوره الذي يمكن أن يتلاشى في لحظة مع وقوع أي إشكال يمكن أن يحصل أو يعرض حياة المواطنين للخطر نتيجة العنف غير المسبوق الذي تشهده بعض المحطات، وهو لا يمضي يومه يجول من صيدلية الى أخرى للتفتيش عن دواء قد يموت صاحبه في حال عدم حصوله عليه، ولا يقف عاجزا عن تأمين حليب لأحفاده، ولا يتجنب الدخول الى سوبر ماركت خوفا من أن تلفح جيبه نيران الأسعار المعطوفة على دولار تجاوز سقف الـ 15 ألفا ليفترس الرواتب ويلتهم المدخرات.
من الطبيعي أن لا ييأس فخامة الرئيس، فعائلته ليست مشتتة في هجرة قسرية في بلاد الله الواسعة بفعل فقدانها الأمل، وصهره جبران يحتفل بعيد ميلاده يغني ويصفق ويشارك فرحته جميع اللبنانيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ثم يطل عليهم قاطعا الطريق على أي حل يخرجهم ولو من جزء بسيط من معاناتهم، كما لا يشعر فخامته بالخوف من مستقبل أسود قاتم ينذر اللبنانيين بالعودة الى القرون الوسطى.
أنت لم تيأس يا فخامة الرئيس، لكن شعبك تجاوز مرحلة اليأس بأشواط، وبات يرى في مسؤوليه مجموعة من الجلادين يمارسون بحقه شتى صنوف العذاب تمهيدا لقيادتهم الى جهنم التي سبق وبشرتهم بها، فيما وصل بعض اللبنانيين منذ فترة إليها بعدما سدت في وجوههم سبل العيش ، بينما أنتم تفتشون عن الحقوق.
الحقوق يا فخامة الرئيس، تكون في إنصاف الناس وتطمينهم الى غدهم وتوفير أبسط مقومات العيش الكريم لهم. والحقوق تكون بتشكيل حكومة تنقذ البلاد والعباد وتضع حدا للانهيار، أما هاجس الحفاظ على مقام رئاسة الجمهورية فيتحقق من خلال شعب سيد حر مستقل يعيش في ظلال وطنه بكرامة وعنفوان، أما الذل الذي يعيشه اللبنانيون على كل صعيد والمرشح للازدياد مع الصعوبات والأزمات التي تتوالد وتتنامى يوما بعد يوم نتيجة السياسات الخاطئة، فلن يحفظ مقاما ولن يحمي رئاسة ولن يبقي جمهورية، لأن كرامة الجمهورية تكون من كرامة شعبها.