أقل من 10 أيام تفصلنا عن مطلع شهر تموز، موعد دخول تعميم مصرف لبنان رقم 158 حيز التنفيذ، ومباشرة المصارف بالإفراج عن الودائع المصرفية تدريجياً، على ما يؤكد مصرف لبنان في قراره الأخير. وعلى الرغم من اقتراب موعد تنفيذ التعميم، الذي يجيز للمودعين شهرياً سحب 400 دولار نقداً من حساباتهم و400 دولار بالليرة وفق سعر صرف المنصة الإلكترونة 12000 ليرة، إلا أن حال من التخبّط تسيطر على القطاع المصرفي، وسط رفض عدد لا يُستهان به من المصارف تطبيقَ التعميم المذكور، ما يرجّح حسب متابعين احتمال عدم التمكّن من تطبيقه قريباً.
وبين مؤيد ومعارض للتعميم 158 ومشكّك بقدرة المصارف ونيتها في تطبيقه، ثمة من يحذّر من مفاعيله، وينصح بعدم الاستفادة منه، حتى وإن التزم مصرف لبنان بتطبيقه.
تتضارب التوقعات والنوايا بين المصرفيين لجهة تطبيق التعميم 158 في حينه، أي آخر الشهر الحالي، أو تأجيله، أو ربما إلغائه. لكن في شتى الحالات، هناك آلية تقنية وتحضيرات تمهيدية لتطبيقه. فهل تمكّن مصرف لبنان من إتمامها؟ وهل توافق والمصارف على تطبيق التعميم؟
لا تطبيق للتعميم 158
حتى اللحظة ورغم ضيق المدة الزمنية الفاصلة عن موعد دخول التعميم 158 حيّز التنفيذ، لم يُعلن مصرف لبنان بعد عن آلية واضحة لتطبيق التعميم. ما يدفع ببعض المصارف إلى رفض الإلتزام بتطبيقه لعدة أسباب، من بينها عدم توفّر السيولة النقدية بالدولار في بعض المصارف، ما دفع بأحد المصرفيين إلى الجزم في حديث إلى “المدن” بأن المصرف الذي يدير فرعاً فيه لن يطبق التعميم 158، ولن يتم الإفراج عن الودائع الدولارية رغم قرار مصرف لبنان.
تتجه الأمور إلى مزيد من التعقيد بين مصرف لبنان والمصارف من جهة، وبين المصارف والمودعين من جهة أخرى. فالتعميم 158 سيشكّل من دون شك ضغطاً كبيراً على عمل المصارف. وحسب الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، سمير حمّود، فالمصارف وإن كانت تملك الأموال والسيولة لدفع الـ800 دولار لكل مودع، إلا أنها ستواجه ضغوطاً لتنفيذ التعميم الذي صدر في غير وقته، خصوصاً أن الأمور ليست واضحة ولا مستقرة.
وإذ يستبعد حمّود أن يتمكن مصرف لبنان من تطبيق التعميم 158 في موعده، أي آخر شهر حزيران الحالي، يرى في حديثه إلى “المدن” أن من الصعب تطبيق التعميم قريباً، لأنه يستلزم آلية محددة ومركزية لإدارة تطبيقه وتحديد آلية من البنك المركزي، وإلا فسيحصل الكثير من عمليات التسريب، ومن الممكن أن يُفتح باباً جديداً لسرقة الناس.
التخبط القائم اليوم إنما سببه إصدار تعاميم واتخاذ قرارات من دون معالجة الأزمة ومشاكل النظام المصرفي ككل، وفق حمّود. فلا حلول مطروحة حتى اليوم لمعالجة الأزمة، والقرارات الأخيرة لم تقدم الحلول للمصارف ولا للمودعين ولا للبنك المركزي ولا للمالية العامة. كل تلك الأزمات لم تحل، فما النتيجة؟ يقول حمّود إن قرار تسليم الـ400 دولار و400 بالليرة اللبنانية، فيما لو طُبّق، قد ينجح بتهريب أزمة المودعين وتأجيل الانفجار، خصوصاً أن نحو مليون حساب مصرفي قد تنتهي أزمتها، لكن يبقى الثقل الأكبر بالأزمة قائماً، ويتمثّل بأصحاب الودائع التي تفوق الـ50 ألف دولار. وهنا صلب الأزمة. ويخلص حمّود في حديثه، إلى أن كافة المحاولات لا تصب في صالح حل الأزمة المصرفية. فالأزمة أكبر من كل ذلك.
تطبيق التعميم مطلع تموز
مقابل استبعاد البعض لإمكانية تطبيق التعميم 158، يؤكد الخبير المصرفي خالد شاهين في حديثه إلى “المدن” أنه خلال أيام سيبدأ مصرف لبنان تطبيقه “وهناك فريق في مصرف لبنان يعمل على إتمام التحضيرات. وفي حال استمرار الوضع على استقراره من دون أي مفاجآت أو مستجدات، فإنه من المتوقع أن يتم الإعلان عن الآلية المركزية قبل آخر الشهر الجاري وإبلاغ المصارف بها، بعد اجتماعات مع المصارف للإجابة عن الاسئلة الموجهة من قبلها فيما خص تفاصيل ودقائق التعميم 158. وهو أمر طبيعي”. وحسب شاهين، فإن كافة القرارات أو التعاميم أو القوانين تعتمد أحد أساليب تطويرها على الاستماع والأخذ بالأسئلة والملاحظات بعد إقراره، في سبيل تطويره وتعديله بما يتلاءم والمستهدفين منه. وبذلك، يمكن تعديله بطريقة أفضل وأمثل وأكثر قابلية للتطبيق، وهو ما يحصل فعلياً بالتعميم رقم 158، يقول شاهين.
فالأسئلة كثيرة، ومصرف لبنان يعمل على توضيح الأمور. ومن المرجح التمكن من تطبيق التعميم آخر الشهر الجاري، بحسب شاهين، على الرغم من أن هناك العديد من المصارف ترفض تطبيق التعميم. لكن تجري العادة بفرض مصرف لبنان تطبيق التعاميم على المصارف وعلى الأخيرة الإلتزام. هذا الأمر معتاد، ونحن اليوم في حالة طوارئ مالية، ومصرف لبنان يلعب بشكل أو بآخر دور الدولة. من هنا عليه إلزام المصارف بالتطبيق.
لتجاهل التعميم 158
وبين متأمل بجدوى التعميم رقم 158 ومستخف بجدواه، ثمة من يحذّر المودعين منه. فرابطة المودعين ترى أن التعميم 158 يستهدف “حماية المصارف وأصحابها، عبر تحميل الخسائر لأصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة، الذين هم بأمس الحاجة للمال ليعتاشوا. ويستغل ضعف ويأس الناس لتنفيذ اقتطاع غير قانوني من قيمة ودائعهم تحت مسمى تسديدها”.
وتناشد الرابطة المودعين أن يرفضوا التوقيع على أي عقد أو تعهد يلزمهم بعدم المطالبة بوديعتهم وحقوقهم، المكفولة بالدستور والقانون، وأن لا يقعوا فريسة احتيال تعاميم حاكم مصرف لبنان المحابية للمصارف على حساب حقوق المودعين