“سرعة التدهور قد تطيح الإستقرار الإجتماعي في غضون أيام وأسابيع، وقد لا تتطلب بالضرورة ثلاثة أشهر”، بحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين. فارتفاع سعر صرف الدولار من 13 ألف ليرة إلى حدود 15 ألفاً، أدى إلى موجة من ارتفاع الأسعار وفرض واقعاً جديداً. كيلو اللبنة على سبيل المثال زاد سعره بقيمة 10 آلاف ليرة مطلع هذا الأسبوع، ووصل إلى حدود 60 الف ليرة بعدما كان سعره لا يتجاوز 10 آلاف ليرة قبل الأزمة. وبالتالي لا يمكننا تحديد مهل ومواعيد لقياس سرعة وحجم التدهور. إلا أنه من الجهة الأخرى، فان قدرة الناس على التحمل مرتبطة، بحسب شمس الدين، بـ”موقف الأحزاب أكثر منها بالأسعار. وطالما الأحزاب راضية ولم يعمد أي منها لقلب الطاولة على الجميع، فان الناس ستبقى صامتة تتحمل من المعاناة بلحمها الحي. والدليل عدم مواكبة ارتفاع الأسعار وفقدان المحروقات مع الأدوية بتظاهرات أو احتجاجات أو اعتصامات”.
تراجع الموارد المالية
مقابل هذه الأرقام يظهر أن العوائد المالية التي اعتمد عليها قسم كبير من اللبنانيين في الفترة الماضية قد تراجعت بشكل ملحوظ. فصحيح أن التعميم 158 سيسدد لغاية 50 ألف دولار مناصفة بين الدولار والليرة اللبنانية على سعر 12 ألفاً، إلا أنه “سينشف”، بعد فترة تبدأ بالأشهر وتصل إلى 5 سنوات، حسابات حوالى 70 في المئة من المودعين. كما وأن قسماً كبيراً من المواطنين استنزف كامل مدخراته وتعويضات صرفه من الخدمة في الفترة الماضية نتيجة الإرتفاع الهائل بالأسعار. ولن تبقى إلا تحويلات المغتربين التي زادت بشكل كبير”، من وجهة نظر شمس الدين، “فبعيداً من إحصاءات شركات تحويل الأموال التي تسجل انخفاضاً في متوسط قيمة الحوالة قياساً إلى الفترات السابقة، فان ما يحمله المغتربون معهم باليد ويسلمونه لذويهم مباشرة، هو أكبر بكثير من التحويلات التي تجري عبر المصارف والشركات بسبب فقدان الثقة بالنظام. أما بخصوص التحويلات التي تتراوح بين 50 و100 دولار فهي “مستجدة”، برأي شمس الدين، و”لم تكن موجودة في السابق لأنها ببساطة لم تكن ذات قيمة. أما اليوم فقد أصبحت تشكل سنداً أساسياً لذوي المغتربين متوسطي الحال في الخارج. وبحسب شمس الدين “لا أحد يستطيع تحديد حجم تحويلات المغتربين الفعلية بشكل دقيق لانها لم تعد تتم بالطرق التقليدية السابقة، لكنها على الاكيد زادت عشرات المرات.. وسترتفع أكثر في المقبل من الأيام بعد الإنتهاء من الإقفال في الدول الأجنبية وعودة الأعمال إلى واقعها الطبيعي”.
وفي ما خص البطاقة التمويلية، التي من المفترض أن تشكل سنداً لثلاثة أرباع العائلات اللبنانية (750 ألف عائلة)، وتمدهم شهرياً بنحو 137 دولاراً، فيظهر من أجواء اللجنة المنبثقة عن اللجان المشتركة الموكلة درسها أنها لن تبصر النور قريباً. وهي تثير المخاوف عند قطاعات الأعمال من تأثيرها السلبي على الإقتصاد، بالمقارنة مع دورها المحدود في محاربة الفقر والعوز. فبالإضافة إلى عقدة تمويلها وإمكانية تحولها إلى “سلسلة رتب ورواتب” جديدة تزرع التضخم وارتفاع الأسعار، فان أحد الصناعيين يخشى من أن تؤدي إلى ترك الكثير من العمال المصانع. خصوصاً أولئك الذين لا يتقاضون مبالغ كبيرة ويسكنون في مناطق بعيدة. فحصول العائلة على مبلغ 2 مليون ليرة، مرشحة للإرتفاع مع كل زيادة بسعر الصرف، من دون جهد أو تعب سيؤدي إلى إحجام عدد غير قليل من العاطلين عن العمل عن التقدم للعمل في المعامل والمصانع مقابل 1.5 مليون ليرة. كما قد يدفع بالكثير من العمال الذين يتقاضون بين المليون و1.5 مليون إلى التوقف عن العمل. وبالتالي هناك خطر جدي أن تفقد المصانع والمعامل عدداً غير قليل من مشغليها في ظل العجز عن تأمين اليد العاملة الأجنبية”.
إنهيار القدرة الشرائية للمواطنين يترافق مع فقدان الإقتصاد بشكل عام مقومات نموه ورفاهه. الأمر الذي سينعكس تراجعاً في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية ومزيداً من صرف العمال والموظفين في القادم من الأيام.
المصدر : نداء الوطن