من الباب المشرّع على الخدمة الواجبة المسوّرة بالمحبة التي هي مثل القلب تتحرك باستمرار لتنبض بالحياة، تقدم راعي أبرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران عصام يوحنا درويش الى مذبح الربّ كاهناً ثم أسقفاً بين أوستراليا ونيوزيلاندا وزحلة، فاستحق يوبيلاً مضاعفاً لمناسبة مرور خمسين عاماً على رسامته الكهنوتية وخمسة وعشرين عاماً على سيامته الأسقفية، سنوات يصفها “سيدنا” بأنها الفترة الأجمل التي عاش فيها مغامرة روحية أخاذة غنية بفرح العطاء والخدمة الكهنوتية.
على مشارف يوم واحد من إنتهاء ولايته الأسقفية على مطرانية زحلة وقبل سيامة أسقف جديد يحمل الشعلة الرعوية، يبوح المطران درويش لـ” لبنان ٢٤” بمكنونات مسيرة طويلة بين أوستراليا وزحلة عاصمة الكثلكة في لبنان وما رافقها من نجاحات كثيرة وأحياناً فترات تعثر وفشل.
“لم يفهموني على حقيقتي ربما لأنني لم أعتبر أن التعبير عن ذاتي يجب أن من أولوياتي، وربما لأنني كنت أفكر وأعمل بطريقة لا تتلاءم مع قناعات الكثيرين من حولي، وقد كانت محبتي لهم مصدر قوتي وعملي الكنسي والروحي والإجتماعي في حنايا سيدة النجاة.”
محبة المطران عصام لزحلة وأهلها وللبقاع عموماً تجلّت بمشاريع كثيرة، منها سكنية وعمرانية وإجتماعية وثقافية وفكرية وزراعية وخيرية، بدءاً بخدمات يومية لكل قاصدي المطرانية، الى طاولة القديس “يوحنا الرحيم” التي تستضيف يومياً بين ١٣٠٠ الى ١٥٠٠ شخص لتقدم لهم وجبات طعام، الى مساعدات غذائية تقدمها المطرانية وتفعيل عمل” الجمعية الخيرية الكاثوليكية”، كما تأسيس المدرسة المهنية في الفرزل وقرية الصداقة للأيتام في كسارة ومدرسة إبتدائية وتكميلية في حوش الأمراء، إضافة الى تنظيم برامج رعاية العائلة في المنازل وتأهيل المدربين ومركز لصيفية الأولاد والشباب في البقاع الغربي.
المتحف البيزنطي داخل دار الأبرشية والذي سيفتح أبوابه للزوار والمؤمنين يشكل بصمة الحاضر والمستقبل المرتكزة الى عبق التاريخ الكنسي الذي سعى المطران درويش لتجسيده بأيقونات بيزنطية نادرة من مجموعته الخاصة والتي جمعها طيلة السنوات الخمسين من لبنان ومختلف أنحاء العالم ، وهي تجاور بدلات المطارنة القديمة ومنها بدلة قدمها أمبراطور النمسا في العام ١٨٦٠ للمطرانية حِيكت بخيوط الذهب الخالص، وتيجان وأدوات كنسية مختلفة ووثائق تاريخية ولوحات للقديسين والرسل، كل ذلك في إطار وسائل حماية وأجهزة إنذار وكاميرات مراقبة وأنظمة إطفاء وتبريد وتدفئة وإنارة، كل ذلك بتبرعات من أهل زحلة وأصدقاء من الخارج.
الطابق الأول من المطرانية شهد أيضاً عملية تجديد، من قاعة الإجتماعات التي أطلق عليها إسم قاعة يوحنا فم الذهب وصالون المطرانية وقاعة الأرشيف، ومشغل ترميم الكتب القديمة ومكتبة رقمية إلكترونية تحوي نحو ١٥ ألف كتاب، الى مكتبتي السفير فؤاد الترك وعميد كلية الإعلام أنيس مسلم بتقدمة من عائلتيهما، كما تأهيل صالون المطرانية والممر الرئيسي المزدان سقفه برسومات رائعة خطّتها ريشة فنانين أوكرانيين وثريات تضفي أضواء الفرح على القاعات، من دون أن ننسى تأهيل حديقة الأساقفة وتأسيس إذاعة “سما” التي يغطي إرسالها زحلة والبقاع لنشر الثقافة الدينية والإنجيلية.
في خطوة الألف ميل نحو مرحلة جديدة من التجدد الذي هو علامة حضور الروح القدس في الكنيسة، يوصي المطران درويش خلفه بأن يكون خادماً لمدينة زحلة من النظر الى طائفة أو دين،”على الرغم من أنني أنتظر أن يواجه إنتقادات لأن أحداً لا يمكنه أن يرضي الجميع ونحن بطبيعتنا نترفّع عن الإنتقادات ولا نقدم إلا الدعوة الى المحبة والمصالحة والأخوة والعدالة”،وهي وصية تنسحب أيضاً على المسؤولين السياسيين الذين عليهم مراجعة النفس وأن يملكوا الشجاعة لإعادة النظر بالحسابات وبالمواقف والتحالفات،وأن يكونوا ذاتهم، هذه الشجاعة التي تسهم في تقدم وطننا الى الأمام.
ولأن “الحياة فعل شكر دائم” عملاً بوصية بطرس الرسول، يمضي المطران عصام يوحنا درويش في حقل جديد للرب متبهلاً الى سيدة النجاة في زحلة طالباً منها أن تحافظ على أبنائها، كما أن يحافظ أبناؤها عليها وفي ظل حمايتها.
المصدر: لبنان 24