في لبنان لا شيء مستحيل، إذ من الممكن أن يتظاهر من في السلطة بوجه من في السلطة، ومعطّل تشكيل الحكومة بوجه التعطيل، والمصارف بوجه الفقر واحتجاز الأموال، وهذه المشاهد لا يجب أن تكون صادمة، فقد شهدنا سابقاً تحالف التيار الوطني الحر والقوات، واقتراع سعد الحريري لميشال عون للرئاسة، وسنشهد بالمستقبل مسرحيات مشابهة، فنحن في “لبنان”.
قبل حرب البيانات، وصلت إشارات سلبيّة إلى عين التينة بخصوص مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أولها كان بيان بعبدا الشهير الذي يهاجم بري دون تسميته، وثانيها كان ما نُقل عن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من اجواء سلبية تجاه المبادرة، وتكشف المصادر أن الأخير عاد إلى مربع التأليف الأول عندما فتح ملف وزارة المالية مجدّداً، وهذا ما جعل بري يُدرك بأن باسيل لا يريد نجاح المساعي، فمرّة ينقلب على اتفاق الـ ثلاث 8 بحجة المثالثة، ومرة يعترض على توزيع الحقائب، ومرّة يعارض الحلول لتسمية الوزيرين المسيحيين، ومرة يعود لوزارة المالية.
حصلت حرب البيانات، وبعدها أصبحت الإتصالات مجمّدة، وانتقلت الحرارة من خطوط الهاتف إلى الشارع على وقع الإضراب الذي دعا إليه الإتحاد العمالي العام، ودعمه ببيانات رسمية تيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي والتيار الوطني الحر، وهنا تُشير المصادر إلى أن مزايدة الاحزاب بعضها على بعض دفعها لإعلان تأييد الإضراب، فتيار المستقبل دعا مناصريه للمشاركة رفضا للتعطيل الحاصل بملف تشكيل الحكومة، ولكي لا يلعب التيار الوطني الحر دور “المستهدف” قرر تأييد الإضراب للدفع باتجاه تشكيل الحكومة، لتستمر لعبة شدّ الحبال بين المعنيين بهذا التشكيل.
اليوم يوجد نظريتان حول ما يجري، تقول المصادر، مشيرة إلى أن النظرية الأولى تقول بأن التصعيد وعودة لغة الشارع والتوقعات بارتفاع وتيرتها، يشكلون المخاض المطلوب لتنازل الجميع وولادة الحكومة، مشددة على أن أصحاب هذه النظرية مقتنعون بأن ولادة التسويات لا يمكن أن تتم على نار هادئة، وهنا لا يتحدثون عن أسبوع أو شهر ولكن أسابيع معدودة، على أن تكون هذه المرحلة انتقاليّة قبل الوصول إلى التسويات بالمنطقة والتي ستنعكس حتماً على الملف اللبناني.
أما النظرية الثانية، فهي بحسب المصادر أن الازمة الحكومية المعقدة أصبحت عصيّة عن الحل، وبالتالي ستستمر إلى نهاية عهد رئيس الجمهورية، إذ أن عون لن يتنازل، وسعد الحريري لن يتراجع، وبات كل طرف يفكّر بالإنتخابات النّيابية المقبلة، ويفكر كيف يشدّ عصب جمهوره. وتُشير المصادر إلى أنّ أصحاب هذه النظريّة، إن تفاءلوا، فهم يتحدثون عن حكومة انتقالية تُجري الإنتخابات، لن تولد قبل نهاية العام الجاري، وبالتالي فإنّ لبنان أمام عام صعب للغاية، معتبرين أن سعي الأوروبيين لضمان سير الخدمات في لبنان، ودعم الجيش اللبناني، يعني بوضوح أنّ مرحلة الحلول لم تحن بعد.
يحتاج المشهد إلى مزيد من الوقت لتبيان أيّ نظرية ستكون الأصحّ، ولكن خلال كل هذه المرحلة سيكون المواطن اللبناني هو الخاسر الأكبر، كونه من يدفع الثمن كل يوم من “كيسه” الخاص.