تزامُن دعوة الإتحاد العمالي العام للأضراب العام والتظاهر احتجاجاً على عدم تشكيل الحكومة، مع ارتفاع منسوب التوتر السياسي على “محور” بعبدا – عين التينة، أعاد إلى الأذهان مشهدية 7 أيار 2008. وقتذاك افتتح “الإتحاد” النهار الدامي بإضراب عمّالي ودعوات للإحتجاج، ليعود وينكفئ تاركاً الشارع لقوى 8 آذار تعيث في بيروت والمناطق فوضى وخراباً. الغاية من الإضراب اليوم مختلفة. صحيح. لكن جو الإحتقان، المغذّى بعدم وجود شيء يخسره العمال وجيش العاطلين عن العمل الذي فاقت نسبته 45 في المئة من مجمل من هم في سن العمل، قد يكون أخطر بكثير.
في الوقت الذي تتخوف فيه شريحة واسعة من المراقبين من أن يوظف الإضراب في السياسة ويركب موجته طابور خامس يودي بالبلد إلى الخراب، تحوّل كل واحد من السائقين العمومين وموظفي المصارف المتواجدين في مقدمة الداعين للإضراب والمعترضين على تأخير تأليف الحكومة، إلى “مشروع” عاطل عن العمل. نحو 50 في المئة من مجمل عدد موظفي المصارف المقدر بـ25 الفاً، معرضون للصرف بظروف مجحفة. فجمعية المصارف لم توافق بعد على تجديد “البروتوكول” مع اتحاد نقابات الموظفين الذي يحدد شروطاً عادلة ومنطقية لصرف العمال المحتّم. وهي تأخذهم فرادى مستغلة خوفهم من تآكل رواتبهم وتعويضاتهم.
وفي المقابل “ليس هناك من جهة يلجأ إليها إتحاد ونقابات موظفي المصارف للمساعدة في إيجاد المخارج”، يقول رئيس نقابة موظفي المصارف في لبنان أسد خوري. “فاستمرار الفراغ في السلطة التنفيذية في ظل وجود حكومة مستقيلة ومعتكفة عن تصريف الأعمال، وعدم وجود بوادر جدية لتشكيل حكومة قبل أيار العام القادم، يصيب القطاع المصرفي بمقتل. من هنا كانت دعوتنا للمشاركة في الإضراب والإعتصام للتسريع بتأليف حكومة من أهل الإختصاص، تعمل على حل الأزمات التي يقع القطاع المصرفي في صلبها. فالفوضى في القطاع وعدم الحس بالمسؤولية أوصلا بعض المصارف إلى الطلب من موظفيها القدوم إلى العمل اليوم، رغم تعليق جمعية المصارف العمل في يوم الإضراب”، بحسب خوري. و”إذا نسينا القهر الذي يتعرض له الموظفون للحصول على ما يكفيهم من البنزين يومياً، فهل تتحمل هذه المصارف مسؤولية أي أعمال تخريبية أو أذى يلحق بموظفيها الذين أجبرتهم على الدوام؟”، ليجيب: “الوضع اليوم لم يعد يحتمل ووجود سلطة تنفيذية أصبح أكثر من ضروري لإدارة الأزمة وإيجاد الحلول”. خوري الذي طمأن إلى صعوبة فلتان الشارع نتيجة الإجراءات المشددة وتحديد النقاط بشكل دقيق من الإتحاد العمالي العام، قال إنه “في حال الفوضى فان نقابات موظفي المصارف ستنسحب من الشارع، ولن نكون وقوداً لأهداف سياسية. فنحن مطلبنا نقابي وعمالي بحت”.
على المقلب الآخر فان “الشوفيرية” الذين يوصفون بـ”شرايين المدينة” يضيّعون نصف نهارهم لتعبئة بعض الليترات من البنزين، والغلة ليست “حرزانة” على حد وصف أحدهم. عطل واحد في السيارة يكبدهم مدخولهم الشهري. وبحسب رئيس الإتحاد العام لنقابات السائقين في لبنان مروان فياض فإنّ “عمال النقل هم الأكثر تضرراً من الوضع المعيشي وانهيار القدرة الشرائية للمداخيل بشكل عام، ومن أزمة المحروقات مؤخراً وارتفاع أسعار قطع الغيار بشكل خاص. فالقطع تحتسب على 18 ألف ليرة، فيما تعرفتنا ما زالت متدنية جداً بالمقارنة مع ارتفاع الأسعار”. ومن وجهة نظر فياض فإن “وجود حكومة يشكل مدخلاً لنا للمفاوضة على مطالبنا القديمة التي لم تنفذ ومنها: إعطاء السائق العمومي صفيحتي بنزين يومياً على سعر 25 ألف ليرة لبنانية. إعطاء كل سائق 500 ألف ليرة لبنانية شهرياً تعويضاً عن ثمن قطع الغيار. معالجة المشكلة مع الضمان الإجتماعي حيث يحاسب الضمان المستشفيات على 1515 والأخيرة تحاسبنا على أساس سعر 4000 ليرة، فأصبح المضمون يتحمل 85 في المئة فرق الضمان. وهذه “كارثة من الكوارث” على حد تعبيره. وأضاف: “من هنا سنكون في مقدمة التحرك على الأرض وسنقطع كل الطرقات التي تؤدي إلى الدورة وبيروت بسياراتنا، وندعو المواطنين إلى عدم سلوك الطرقات التالية: من أنطلياس نهر الموت باتجاه الدورة. ومن الكرنتينا باتجاه الدورة. ومن نهر الكلب باتجاه بيروت. فاليوم نعرف كيف سيبدأ لكن لا نعرف كيف سينتهي لأنّ التجارب السابقة غير مشجعة سواء كانت باستغلال التحركات المطلبية أو بعدم وصول الإضرابات والتظاهرات الإحتجاجية إلى المكان المرجو. السلطة “تمسحت” وبعض النقابات تُحرّك على الريموت كونترول وبعضها الآخر “نفسه” قصير… و”العترة” على الشعب المسكين”.
المصدر:نداء الوطن